بيان للحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل

العلاقة مع النساء الاسرائيليات بين التطبيع و"صناعة السلام"

حتى لا يستمر خلط الحابل بالنابل ويضيع عمل البعض من النساء اللواتي يردن الدخول في غمار اشكال جديدة من النضال لتحرير وطنهن مع عمل البعض الذي "يستنفع" ويستفيد ماليا وسياسيا ومعنويا من تلك اللقاءات، يجب التوقف لوضع معايير تضبط العلاقة بين الطرفين. يجب أن ترتكر هذه المعايير على أرضية مقاومة الاحتلال وسياسات دولة اسرائيل العنصرية في قمع واضطهاد الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده. في التالي بعض الاسئلة التي يجب، برأينا، معرفة جوابها قبل الدخول في لقاء أو مشروع مع طرف خارجي أو اسرائيلي.

احتلت العلاقة مع الاسرائيليين منذ الستينيات حيزاً هاماً في تفكير العديد من المنظمات السياسية الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة تلك المتبنية الفكر الماركسي منها. كانت تلك المنظمات تميز بين اليهودية كديانة والصهيونية كأيديولوجية عنصرية موجِّهة لسياسة دولة اسرائيل. لذا دعت لمقاومة الصهيونية كونها السبب الرئيس للصراع، في نفس الوقت الذي دعت فيه لدعم العلاقة مع اليهود المعادين للصهيونية. على اثر ذلك، دفع بعض المنظمات الفلسطينية بتكوين مجموعات فلسطينية-إسرائيلية لمقاومة الصهيونية وسياساتها وللدعوة لانشاء دولة ديمقراطية علمانية واحدة يعيش فيها اليهود جنباً الى جنب مع الفلسطينيين، دون تمييز أو تفرقة.

تزايدت في الانتفاضة الأولى الدعوات للقاءات مع الإسرائيليين، والتي كانت وراءها أطراف سياسية فلسطينية تهدف إلى "تعريف" الجانب الإسرائيلي بالواقع الفلسطيني المعاش والبحث عن دعم للانتفاضة ومطالبها في الأوساط الإسرائيلية. برز في تلك الآونة العديد من الافراد المستقلين الذين تلقوا دعماً وتشجيعاً كبيرين من الدول الغربية بهدف جلب فلسطينيين واسرائيليين سوياً الى جلسات "حوار" و "تعارف" و أيضا "لكسر الحواجز النفسية" بين الطرفين. تزامنت هذه الدعوات مع تزايد الإدانة العالمية لسياسة القمع الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل ومع تعالي النقد لسياسة "القبضة الحديدية وتكسير العظام" التي جوبهت بها الانتفاضة الفلسطينية. كان انتشار المؤسسات الفلسطينية الاسرائيلية المشتركة وتزايد عدد الافراد المنغمسين في نشاطاتها مؤشرا هاما لتغيير أسس العلاقة السابقة والتي كانت تمنع التعامل مع أية مؤسسة او افراد يتبنون الايدولوجية الصهيونية.

على هامش الانتفاضة الاولى أيضاً، برز العديد من المبادرات -- المدفوعة بتشجيع أوروبي واضح -- لتنظيم مؤتمرات ولقاءات دولية بين فلسطينيات وإسرائيليات "لكسر الحواجز النفسية" و"التعرف على الآخر" وتخطي "الهويات القومية الذكورية" وإيجاد "القواسم النسوية المشتركة" بين كلا الطرفين. كانت هذه اللقاءات تركز بالعادة على الواقع الآني أو المستقبل بشكل مجتزأ وتتجنب تماماً التطرق للماضي "وتبعاته". وكانت تركز على جلب النشيطات النسويات في الحركة الوطنية والمثقفات والأكاديميات من "الطرفين" للجلوس معا. كان الكثير من تلك اللقاءات يركز على نقد "القومية الشوفينية والذكورية" وايجاد قواسم مشتركة للعمل بين النساء بعد تخطيهن الواعي لما يفصل بينهن من "حدود قومية" تدعم "سلطة الرجال" في كلا الطرفين "ضد النساء" في كلا الطرفين.

بعد أكثر من عقدين ونيف من العلاقات بين اسرائيليات وفلسطينيات، ألا يستحق الأمر جلسة أو جلسات تقييم لمعرفة ماذا كسب او خسر كل طرف من الاطراف المنغمسة في تلك اللقاءات والمشاريع المشتركة Joint Ventures. يمكننا في البدء سوق أهم الفرضيات الخاطئة التي تقوم عليها تلك اللقاءات والمشاريع المشتركة:

1- أن النساء هن أول من يكتوين بنار الحروب وويلاتها. فالإسرائيلية تفقد أبناءها للحرب، والفلسطينية اضافة لفقدان ابنائها فان مقومات حياتها تدمر من "العنف الذكوري" في كلا الطرفين.

2- أن "نبش التاريخ" --خاصة تاريخ الحركة الصهيونية والتطهير العرقي للفلسطينيين-- لن يجدي نفعاً، والأجدى التركيز على الحاضر لمنع سقوط المزيد من الضحايا ولوقف آلام الثكل عند الطرفين.

3- أن اتاحة الفرصة للنساء للدخول لحلبة المفاوضات والسياسة سيساعد اكثر من وجود الرجال فيها في الوصول إلى حلول أكثر انسانية وعملية نظراً "لميل النساء الطبيعي للسلام والنفور من العنف".

4- أن القومية Nationalism سواء اليهودية أو الفلسطينية قامت على اضطهاد النساء واستغلال وتهميش دورهن في المجتمع في سبيل اعلاء سيطرة وذكورية الرجال. هذا "الاضطهاد المشترك" يشكل أرضية التقاء للنساء من الطرفين.

5- أن النساء –كل النساء- واحد في كلا الطرفين، همومهن واحدة وأسباب اضطهادهن واحدة.

6- أن تلك اللقاءات، والتي غالباً ما تغطى اعلامياً بشكل مكثف، تشير الى أن "النساء يعملن معاً" وانه من المفضل (غربياً) تشجيع كلا الطرفين للعمل سوياً بدلاً من الإدانة والتهجم على سياسة اسرائيل، والذي "لن يجدي نفعاً".

7- أن على الطرف الغربي "المحايد" أن يساعد الطرفين على "كسر الحواجز النفسية" و"التعرف على الآخر والشعور معه" بدلاً من تقوقع كل في موقعه.

8- أن الطرف الفلسطيني قاطع الكثير من اللقاءات مع إسرائيليين ولم يفيده ذلك، لذا فالأفضل المشاركة لعرض وجهة نظرنا والدفاع عنها.

 

 

المغالطات السابقة لا تقوم على أسس يدعمها الواقع أو التاريخ، ليس في فلسطين فحسب ولكن في العديد من دول العالم التي خضعت للاستعمار، وذلك للأسباب التالية:

1- إن الكثير من تجارب النساء في دول العالم الثالث التي عانت من الاستعمار أثبتت ان الحركات الوطنية، التي كان يقودها الرجال، هي أول من دفع النساء للسياسة والعمل في المجال العام في مناهضة ومقاومة الاستعمار.

2- في سبيل تقوية دور النساء في الحركات الوطنية، فإن دعم الرجال لمطالب النساء في التعليم والخروج إلى سوق العمل (دعوات قاسم أمين وسعد زغلول في مصر والحاج أمين الحسيني وعز الدين القسام وأكرم زعيتر في فلسطين، مثلاً) كان أساسياً في حصولهن على بعض هذه الحقوق. بالتالي، لم تكن تلك الحركات فقط مستغِلة وقامعة للنساء في بعض الجوانب، بل كانت أيضاً محررة ودافعة للكثير منهن في جوانب أساسية.

3- يجب التفرقة بين حركة قومية استعمارية وأخري تخضع للاستعمار وتقاومه؛ فصحيح ان في قيادة كلا الحركتين ذكور ولكن هناك فارق بين طرف معتدي وطرف معتدى عليه. والمعتدي لا يفرق في تلك الحالة بين نساء ورجال ولا حتى اطفال.

4- إن النساء، مثل الرجال، لسن كتلة متمازجة في كافة الاقطار يعانين من نفس المشاكل ويحلمن بنفس الآمال، بل إن النساء يتوزعن ويتفرقن حسب انتماءاتهن القومية والعرقية والطبقية، لذا يوجد فرق قومي هائل بين اسرائيلية (محتلة) وفلسطينية (خاضغة للاستعمار)، كما يوجد فرق طبقي بين فلسطينية مدينية من طبقة ميسورة وبين أخرى لاجئة وفقيرة.

5- بالرغم من ذكورية بعض الحركات الوطنية إلا أن اضطهادهن للنساء لا يرقى ولا يقارن بمستوى الاضطهاد القومي الذي ينزل الدمار على الجميع، رغم تبجحه في الكثير من الاحيان بالعمل على "تحرير النساء". ولنا في فلسطين مثال قديم والعراق مثال حديث.

6- إن النفور من التطرق للماضي، في الحالة الفلسطينية تحديداً، له علاقة بالتهرب من بحث آثار وتبعات ذلك الماضي والتي مازالت حاضرة، أي قضية اللاجئين وضرورة إقرار حق العودة والتعويض لهم طبقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194 كجوهر القضية الفلسطينية.

7- إن العرب واليهود، قبل انتشار الحركة الصهيونية وتأسيس دولة اسرائيل، لم يعانوا من أية حواجز نفسية أو عرقية تذكر، ولكن ما خلق الحواجز هي السياسة الاستعمارية الاقتلاعية الصهيونية والتي لم تتغير حتى اليوم.

 

في الأخير، وحتى لا يستمر خلط الحابل بالنابل ويضيع عمل البعض من النساء اللواتي يردن الدخول في غمار اشكال جديدة من النضال لتحرير وطنهن مع عمل البعض الذي "يستنفع" ويستفيد ماليا وسياسيا ومعنويا من تلك اللقاءات، يجب التوقف لوضع معايير تضبط العلاقة بين الطرفين. يجب أن ترتكر هذه المعايير على أرضية مقاومة الاحتلال وسياسات دولة اسرائيل العنصرية في قمع واضطهاد الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده. في التالي بعض الاسئلة التي يجب، برأينا، معرفة جوابها قبل الدخول في لقاء أو مشروع مع طرف خارجي أو اسرائيلي.

اضيف بتاريخ 01-05-2005


انشر/ي

ابقوا على اطلاع

قم بالتسجيل للحصول على آخر أخبار المقاطعة والحملات والتحركات

Subscribe Now