بيان للجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة

العدو الإسرائيلي يلقي بمسؤولية منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة على مصر والردّ الإعلامي من السلطات المصرية غير كافٍ لنفي تهمة المشاركة في الإبادة الجماعية

January 26, 2024

هل ضبابية الوضع القائم بين مصر وإسرائيل فيما يتعلق بمعبر رفح الحدودي يعكس التنسيق المشترك بينهما، وبالتالي المسؤولية المشتركة؟  

فلسطين المحتلة، 26-1-2024 – فشل فريق الدفاع الإسرائيلي في تقديم حجج مقنعة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي تشكّك في اتهام فريق جنوب أفريقيا للعدوّ الإسرائيلي باقتراف جريمة الإبادة الجماعية بحق 2.3 مليون فلسطيني في غزة المحاصرة والمحتلة، حسب تقدير خبراء في القانون الدولي ومنظمات حقوقية. ولكنّه في خضم مرافعته، ألقى ممثل الدفاع الإسرائيلي، كريستوفر ستاكل، باللوم على مصر "وحدها" في تقييد دخول المساعدات والأفراد إلى غزة، مدّعيا أن مصر تسيطر بالكامل على معبر رفح. فقال: "إن الوصول إلى قطاع غزة يتمّ من خلال مصر، وليس على إسرائيل التزام بموجب القانون الدولي بالسماح بالوصول إلى غزة عبر أراضيها". 

كما أردف المحامي الإسرائيلي بالقول إنّ "غرفة عمليات مشتركة بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة والأمم المتحدة منعقدة يوميًا لحل صعوبات اللوجستيات"، في إشارة إلى المساعي المزعومة لإيصال الإمدادات الطبية والخدمات، وإجلاء الجرحى عبر معبر رفح. وهذا من شأنه أن يضع السلطات المصرية تحت طائلة الاتهام أمام المحكمة العالمية في الشراكة بجريمة الإبادة.

يلعب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة دوراً هائلاً، ومنذ أكثر من 16 عاماً، في حرمان شعبنا من أساسيات في مجال الصحة والتعليم والبناء والأعمال وكل جوانب الحياة. وخلال حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية، أحكم العدو الإسرائيلي الحصار بشكل كامل لأسابيع عدة، وفي نفس الوقت لم تدخل الكميات المطلوبة من المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، ممّا فاقم الأزمة الإنسانية وأوصل شعبنا في غزة إلى حافة المجاعة، مع موت الآلاف لعدم توفّر الرعاية الصحية المطلوبة بعد تدمير إسرائيل المتعمّد والمنهجي للقطاع الصحي هناك. 

بسبب هذا الحصار المطبق والعدوان الوحشي المتواصل منذ أكثر من 100 يوم متواصلين، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى أكثر من 26 ألف شهيد وأكثر من 64 ألف جريح بفعل العدوان، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة. يأتي هذا جنباً إلى جنب مع تعمّد الاحتلال تدمير المنظومة الصحية وبنيتها التحتية باستهداف 150 مؤسسة صحية وإخراج 30 مستشفى و53 مركز صحي عن الخدمة، بما يشمل تدمير 121 سيارة اسعاف. 

ولمواجهة هذه الإبادة، أطلق 33 إطار مدني فلسطيني في ديسمبر/كانون الأول الماضي نداء عاجلاً إلى السلطات المصرية يدعوها إلى تحمّل مسؤولياتها الإنسانية والقانونية والقومية بشكل طارئ والاضطلاع بمسؤولياتها الإغاثية الهادفة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية الكافية بدون تأخير أو عراقيل عبر ممارسة صلاحياتها وفرض سيادتها على حدودها، موضحا بأنّ "الحصار الإسرائيلي لا يمكن أن ينجح إلا إذا أغلق باب المساعدات اللازمة عن طريق مصر".

لكن وسط هذا كلّه، وأمام العالم بأسره، ألقت إسرائيل تهمة عرقلة دخول المساعدات والإمدادات والطواقم اللازمة إلى قطاع غزة على مصر خلال جلسة الاستماع الثانية في محكمة العدل الدولية، ممّا استفزّ وزير الخارجية المصري للقول إنّ معبر رفح البري "مفتوح على الدوام" منذ اندلاع الأزمة في قطاع غزة، معتبراً دخول المساعدات "يتوقف على الاتفاق مع إسرائيل، بوصفها دولة احتلال والأمم المتحدة". وفي بيان منفصل، قال السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إنّ "من يعيق دخول المساعدات إلى قطاع غزة هو الجانب الإسرائيلي من خلال الإجراءات والشروط المعيقة والمبررات الواهية".

وفي بيانٍ أكثر تفصيلاً، قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان إنّ "دولة الاحتلال عندما وجدت نفسها أمام محكمة العدل الدولية متهمة بأدلة موثقة بجرائم ضد الإنسانية، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر في محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة"، مدعياً بأنّ "سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية". 
وأشار رشوان إلى أنّ مصر قالت في مراتٍ عديدة "إنّ معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، مطالبةً الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات". وأشار أيضاً إلى أنّ "مفاوضات الهدن الإنسانية شهدت تعنتاً شديداً من الجانب الإسرائيلي في تحديد حجم المساعدات التي ستسمح قوات الاحتلال بدخولها للقطاع، باعتبارها المسيطرة عليه عسكرياً". 

ولكن، ظلّ الادعاء الإسرائيلي حول وجود تعاونٍ كامل بين إسرائيل وبين مصر والولايات المتحدة، في ما قد يفهم كإدارة مشتركة للحصار على غزة، غير مضمّنٍ في جملة الردود المصرية، ما يُبقي تساؤلات حول طبيعة ومدى هذا التعاون والآليات المتبعة خلاله. 

 يظلّ السؤال: هل ضبابية الوضع القائم بين مصر وإسرائيل فيما يتعلق بمعبر رفح الحدودي يعكس التنسيق المشترك بينهما، وبالتالي المسؤولية المشتركة؟  
بدوره، وجد المجتمع المدني المصري، مثل ائتلافات قافلة ضمير العالم والموقف المصري، بعض الثغرات وحثّ السلطات المصرية لقطع الشك باليقين ودحض التهم التي وجهها العدو الإسرائيلي لمصر من خلال اتخاذ إجراءات فورية.

وعلى وقع المطالب الشعبية المصرية والعربية، وتنفيذاً لقرار القمة المشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الداعي إلى كسر الحصار وفرض إدخال قوافل المساعدات، تطالب اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل السلطات المصرية بـ : 

  1. فتح معبر رفح بشكل كامل أمام المساعدات والإمدادات وطواقم الإنقاذ والصحفيين والقوافل الطبية والبشرية والسماح للجرحى بالخروج للعلاج، والإعلان عن السماح فوراً بمرور الوفود الدولية والعربية التي تودّ الدخول إلى قطاع غزة، والسماح باستقبال الحالات الإنسانية والجرحى بشكل عاجل، دون انتظار التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي. 

  2.  دعم دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وتقديم الأدلة التي لدى بمصر حول القصف الإسرائيلي الذي استهدف الجانب الفلسطيني من المعبر أكثر من مرة، وتفتيش الشاحنات في معبر العوجة وكرم أبو سالم وغيرها من التضييقات، وإلا فلن تقنع السلطات المصرية أحداً بزيف الادعاء الإسرائيلي بمشاركتها في حصار غزة.

  3. إدخال كافة المساعدات المتراكمة أمام المعبر والإعلان أنّ مصر في حلٍّ من أي ترتيبات أو تنسيق مع دولة الاحتلال، كون الأخيرة تحللت من كافة الاتفاقيات، وتقديم ما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك دور إسرائيل في منع دخول المساعدات وخروج الجرحى. كما يجب أن تخاطب الأمين العام للأمم المتحدة لتأسيس آلية أممية لتمرير المساعدات من مصر إلى قطاع غـزة مباشرة عبر معبر رفح، بدون تنسيق أو تفتيش إسرائيلي.

  4. وقف مهزلة عصابات الموت التي تستغل عذاباتنا وتبتز مرضانا وجرحانا عبر فرض الرقابة الفورية على آلية خروج الجرحى والمسافرين من قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي والإعلان عن تحقيق قضائي مستقل في الاتهامات المتعلقة بابتزاز مبالغ مالية مرتفعة مقابل السماح لأهالي قطاع غزة بالعبور إلى مصر. 

ما هي الثغرات التي أشار إليها مراقبو حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطيني والمصري فيما يتعلّق بمعبر رفح الحدودي؟

بالعودة إلى الوراء بضعة أشهر، ومنذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، حرص المستوى الرسمي المصري على التأكيد على "استمرار فتح معبر رفح لتوفير المساعدات الإنسانية"، مشيراً في كلّ مرةٍ إلى أسباب عديدة خلف تعذّر وصول الكم الكافي من المساعدات، تارةً أن "إسرائيل لم تسمح بفتح معبر رفح من غزة"، أو أنّ "القصف الجوي جعل الطرق في الجانب من قطاع غزة غير صالحة للعمل"، أو أنّ "دخول المساعدات يتوقف على الاتفاق مع إسرائيل بوصفها دولة احتلال". هذا بالإضافة إلى إبلاغ إدارة معبر رفح البري في الجانب المصري الطواقم الفلسطينية بضرورة إخلاء المعبر لوجود تهديدات إسرائيلية بقصفه، كما أفادت وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة. 

ومع ذلك، أشار المستوى المصري الرسمي بشكل صريح إلى دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر العوجة الإسرائيلي، الذي يبعد أكثر من 40 كم عن رفح، ثمّ نقل العدو الإسرائيلي نقطة تفتيش المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي الذي يبعد أكثر من 10 كم عن معبر رفح، حيث يفتّشها الجيش الإسرائيلي ويمنع ما يمنع منها قبل السماح لما يتبقى منها بالعودة إلى معبر رفح ودخول أراضي القطاع.

ما حقيقة السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح؟

من المفترض أن يعمل معبر رفح، وفق اتفاقية المعابر والمبادئ المتبعة تبعاً لخطة "فك الارتباط عن غزة، بالشراكة بين الإدارتين الفلسطينية والمصرية، وتُشرف عليه من الجانب الفلسطيني هيئة المعابر والحدود التابعة لوزارة الداخلية، بينما ترتبط أراضي قطاع غزة بمصر من خلال معبرين رئيسيين: "معبر رفح" للأشخاص و"بوابة صلاح الدين" التجارية. ولا يخضع أي من هذين المعبرين للسيطرة الإسرائيلية، غير أنّ دولة الاحتلال تمارس ضغوطًا بشكل مباشر أو غير مباشر للتحكم في فتحهما وإغلاقهما. وتحكم مصر قبضتها الأمنية على هذا الشريط الحدودي منذ العام 2007. 

باختصار، لا يوجد هناك أي مانع قانوني، وخاصة اتفاق المعبر الذي لا يزال يتمسك به المسؤولون المصريون في كل مناسبة، يمنع مصر من فتح المعبر فعلاً، لا قولاً وحسب. بل على العكس، فالسلطات المصرية ملزمة قانوناً بفتح المعبر، خاصة للاعتبارات الإنسانية الكارثية الناجمة عن الحصار، والحرب الإبادية الإسرائيلية المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني في القطاع.  

يؤكد ذلك ما أفاد به ممثلون رسميون عن مصر، حسب ما جاء في تقرير بحثيّ صادر عن جمعيتي "مركز الدفاع عن حرية الحركة مسلك" و"أطباء لحقوق الإنسان" الحقوقيّتين، عند السؤال عن سبب طلب موافقة إسرائيل على فتح معبر رفح على الجانب المصري منه، حين أجابوا: "أنّ للعلاقة مع إسرائيل إسقاطات على سياسة مصر بالنسبة لمعبر رفح".  

وبحسب تقرير الجمعيتيّن فإنّ "مصر التي تمتلك القدرة الفعلية على فتح معبر رفح، وتغلقه نتيجة ضغوطات تمارسها عليها إسرائيل وجهات أخرى ولتحقيق مصالح خاصة بها كأن لا تعترف بسلطة حماس في قطاع غزة". ويفنّد التقرير إنّه وفي ظلّ غياب اتفاق بين الأطراف الأخرى فإنّ "مصر مُلزمة بفتح معبر رفح؛ وهو واجب ينبع من إجراءات إسرائيل التي أغلقت بقية المعابر في قطاع غزة وتستعمل معبر رفح لغرض اعتماد سياسة العقاب الجماعي: الإغلاق الإسرائيلي لقطاع غزة يفرض على مصر واجب فتح معبر رفح بحكم واجبها احترام حق التنقل لسكان قطاع غزة المغلق، وبحكم واجبها  العمل ضد خرق معاهدة جنيف الرابعة".

"عصابات الموت" على معبر رفح تستغلّ عذابات شعبنا 

كما كشف تحقيق استقصائي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، بعنوان "فلسطينيون يدفعون عشرة آلاف دولار لسماسرة"، عن  شبكة من الوسطاء مقرها في القاهرة تساعد الفلسطينيين على مغادرة غزة وتمارس نشاطها قرب رفح منذ سنوات، لكنّ الأسعار ارتفعت منذ بداية الحرب لتصل إلى آلاف الدولارات لتسهيل عبور الفرد الواحد من غزة، حتى الجرحى.

وتقول الصحيفة إن "مصر قاومت منذ فترة طويلة فتح معبر رفح، خوفاً من فرار الملايين من الناس إلى شبه جزيرة سيناء المجاورة". وتضيف بأن "القاهرة تقول إن هذا التدفق قد يشكل تهديداً أمنياً".

ووفقاً للغارديان، التي أوردت شهادات عديدة في تحقيقها، لم يتمكن سوى عدد قليل جداً من الفلسطينيين من مغادرة غزة عبر معبر رفح، لكن أولئك الذين يحاولون إدراج أسمائهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بالخروج يقولون إنه يُطلب منهم "دفع رسوم تنسيق كبيرة من قبل شبكة من السماسرة لها صلات مزعومة بأجهزة المخابرات المصرية".

خلفية قانونية: ماذا يقول القانون الدولي؟

إنّ عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى قطاع غزة، وامتناع مصر عن اتخاذ أيّ من الإجراءات الجدّية التي تضمن دخولها بشكل آمن ودون عوائق وعلى أوسع نطاق، يشكّل انتهاكاً لالتزامات مصر الدولية بموجب الاتفاقيات المذكورة والتي هي طرفا فيها. كذلك، فإنّ أي معاهدة أو ترتيب أمني مع دولة الاحتلال لا يعفي مصر من مسؤولياتها الدولية الملزمة تجاه الشعب الفلسطيني في غزة الخاضع للاحتلال الإسرائيلي والذي يتعرض للإبادة الجماعية، ولا من مسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي.

إذ يقع العدوان الإسرائيلي العنيف المستمرّ ضدّ شعبنا في قطاع غزة ضمن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، وميثاق روما المنشئ للمحكمة والذي يعاقب على مجموعة كبيرة من الجرائم، منها الإبادة الجماعية والتجويع واستهداف المدنيين والمباني المدنية والتهجير القسري.  

ووفقاً للمقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة باستقلال القضاة والمحامين، مارغريت ساترثويت،  فذلك يعني أن البلدان ذات القدرة الأكبر على منع التصاعد نحو الإبادة الجماعية يقع عليها واجب أكبر في حدود التزاماتها، ويتمثّل هذا الواجب في اتخاذ جميع التدابير المعقولة في حدود سلطاتها لمنع الإبادة الجماعية. 
تنصّ المادة الأولى المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع على أن الأطراف المتعاقدة فيها تتعهد بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال.  إنّ مبدأ كفالة احترام الاتفاقية يفرض على الدول "التي ليست طرفاً في نزاع عسكري أو احتلال"، على أن تعمل ما في وسعها لإجبار الدولة التي تنتهك هذه الاتفاقيات على احترامها. إن قواعد القانون الدولي الناظمة للجرائم الدولية تعتبر قواعد آمرة، وهي ذات حجية مطلقة، وبالتالي على الدول جميعاً العمل على وقف هذه الانتهاكات. كما أنه قد رسخ في القانون الدولي العرفي، وفي ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، حرمة التجويع كسلاح بشكل مطلق واعتباره جريمة حرب. فقد ورد في المادة 8 (ب) (25) من ميثاق روما تجريم تجويع المدنيين، "بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية". 

هذا ونصّت المادة 70 (2) من البروتوكول الإضافي أن جميع الدول، وليس فقط أطراف النزاع، عليها واجب بأن تسمح وتسهل "المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الغوث والعاملين عليها". كما جاء في قرار مجلس الأمن (وهو قرار ملزم) رقم 1296 (2000) في الفقرة 8 التأكيد على "أهمية الوصول الآمن ودون عوائق لموظفي المساعدة الإنسانية إلى المدنيين في الصراعات المسلحة"، ودعا جميع الأطراف المعنية "بما في ذلك الدول المجاورة" أن تتعاون في هذا الشأن.

كما جاء في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المنعقدة عام 1948 التزام على الدول الأطراف فيها بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. إنّ منع الإبادة الجماعية مسؤولية لا تقع فقط على الدول الأطراف في النزاع المسلح، بل على المجتمع الدولي بأكمله، ذلك أن أحكام هذه الاتفاقية ملزمة للكافة، فهي إحدى قواعد القانون الدولي الآمرة. ومما جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية، أنه يعاقب على "الاشتراك في الإبادة الجماعية". تعتبر القواعد الآمرة في القانون الدولي ذات سمو على أية اتفاقات دولية أخرى. فهي تعلو على أي ترتيبات أو معاهدات عادية بين الدول.

بالتالي، وبما أن الحدود المصرية الفلسطينية لا يتواجد فيها الاحتلال الإسرائيلي ولا يستطيع أن يمنع إدخال أي مواد إغاثية، فإن مصر في حلٍّ من أية ترتيبات مع الاحتلال الإسرائيلي تختص بنقل المساعدات الإنسانية، ما دام الاحتلال الإسرائيلي مصمماً على مواصلة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وتقييد المساعدات الإنسانية والمعدّات، بما في ذلك الماء والغذاء والوقود والمعدات الطبية ومعدات الدفاع المدني، الأمر الذي يؤدي إلى إزهاق حياة المدنيين كل يوم في قطاع غزة. وتنسحب هذه المسؤولية القانونية على مؤسسات الدولة المصرية والمسؤولين فيها. 

خلفية: الحصار يفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة

إنّ ما يدخل قطاع غزة المحاصر اليوم، وكما أكّدت الجهات الفلسطينية المختصة، لا يقي شعبنا من المجاعة الزاحفة والأمراض المتفشية. تشمل الحاجة الملحّة كل ما يتعلق بالنظام الصحي المنكوب والأمن الغذائي والماء، بما في ذلك مياه الشرب والمياه اللازمة للنظافة، ومعدّات الإنقاذ والإطفاء والدفاع المدني، وكذلك الوقود الكافي لتشغيل مولدات الكهرباء وأجهزة ضخ المياه، والعربات وغيرها. كلّ هذه المستلزمات لا تزال شحيحة جداً ونادرة في قطاع غزة اليوم، ممّا يفاقم في الأزمة الإنسانية وفي انتشار الأمراض والأوبئة وحالات التسمم، في وسط انهيار النظام الصحي بفعل استهدافه الممنهج من قبل قوات الاحتلال الغاشم وعجزه عن القيام بواجبه في علاج المرضى والمصابين.

كما استُشهد أكثر من 9 آلاف فلسطيني بسبب عدم القدرة على علاجهم جرّاء انهيار القطاع الطبي. وبحسب ذات المصادر، من المتوقع أن يزداد هذا العدد ما لم يتمّ اتخاذ إجراءات فاعلة بشكل فوري لتدفق المساعدات الطبية والوقود بكميات مناسبة إلى مستشفيات قطاع غزة وخروج الجرحى للعلاج خارج القطاع، حيث هناك أكثر من 11 آلاف جريح، صُنّفت حالاتهم كأولوية، بحاجة ماسة لاستكمال العلاج بالخارج بشكل عاجل لإنقاذ حياتهم.

وفي كل تصريح رسمي، تعيد وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة مناشدة الأطراف الدولية المعنية بتوفير آليات تضمن إدخال وتدفق المساعدات الطبية والفرق الطبية ومغادرة الجرحى والمرضى للعلاج في الخارج، وسط تحذير أممي من انهيار أنظمة الغذاء في قطاع غزة. هذا في الوقت الذي لا تغطّي فيه المساعدات التي تتمكّن من الوصول سوى 10% من احتياجات السكان، ما يهدّد حياة مليونين و300 ألف فلسطيني في القطاع. ووفقاً للأونروا، يُعتقد الآن أن ما يقرب من 85% من سكان غزة-  أيّ حوالي  1.9 مليون شخص-  قد أصبحوا نازحين.

وقد أكد بيان مشترك لمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن هناك "حاجة ملحة" في قطاع غزة "إلى تغيير جذري في تدفق المساعدات الإنسانية"، ودعا إلى تأمين طرق إمداد "بشكل أكثر أمناً ًوأسرع". وحذر البيان الأممي من أنّ مستوى المساعدات الحالي "أقل بكثير مما تستدعيه الحاجة لمنع "المزيج المميت من الجوع وسوء التغذية والفقر المرض"، وشدّد على "الحاجة الملحة إلى رفع الحواجز والقيود المفروضة على إيصال المساعدات إلى غزة وداخلها". 

 

January 26, 2024
/

انشر/ي

ابقوا على اطلاع

قم بالتسجيل للحصول على آخر أخبار المقاطعة والحملات والتحركات

Subscribe Now