مدونة

تحليل- الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إسرائيل: تحديات وفرص غير مسبوقة

June 13, 2023

الملخص التنفيذي

قال بتسلئيل سموتريتش، الوزير البارز في الحكومة الإسرائيلية والذي أعلن عن نفسه أنه «فاشي» وأيّد المجزرة التي اقترفتها مؤخرًا الميليشيات اليهودية الإسرائيلية الفاشية بحق الفلسطينيين في بلدة حوارة القريبة من نابلس في الأرض الفلسطينية المحتلة وحرّض علنًا على إرهاب الدولة: «أعتقد أنه يجب مسح حوارة من الوجود. يتعين على الدولة أن تكون هي من يفعل ذلك

ومع هذا، تفوق الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إسرائيل كل سابقاتها في عنصريتها وأصوليتها وتحيُّزها ضد المرأة وفسادها وسلطويتها ومعاداتها للمثليين على الإطلاق – وكل ذلك جهارًا نهارًا. وتعمل هذه الحكومة في الوقت نفسه على تصعيد سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري المتواصلة التي تنتهجها إسرائيل بحق الفلسطينيين الأصلانيين وربما تشكل تحوّلًا جذريًا في الخطط البعيدة المدى التي أعدّتها لإجراء «الإصلاحات» القضائية والاجتماعية والثقافية، التي تفرز أثرها على المجتمع الإسرائيلي، وعلى الاقتصاد الإسرائيلي على الأرجح. ويفرض هذا الواقع على المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في شتى أرجاء العالم، ولا سيما في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، مسؤولية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى وفرصة لم يسبق لها مثيل على مدى 74 عامًا.

تشكل ردود الأفعال العنيفة والراديكالية التي تصدر من داخل المؤسسة السياسية والعسكرية والاقتصادية الإسرائيلية، ويؤيدها خطاب أقوى وأبلغ من جانب الجهات الغربية التي تمول إسرائيل وتساعدها وتدافع عنها في معاداتها للفلسطينيين، سوابق يمكنها أن تيسّر فضح الأسس التي يرتكز نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والاحتلال العسكري الإسرائيلي عليها وتعريتها أمام جمهور أوسع في نطاقه على امتداد العالم.

ولكن الفرص وحدها لا تفضي إلى التغيير المنشود، بل لا تزيد عن أن تهيئ الأرضية المناسبة لإفراز هذا التغيير. وتضطلع حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) التي تناهض العنصرية وتناضل في سبيل حرية الفلسطينيين وتحقيق العدالة والمساواة لهم، ويقودها أكبر ائتلاف فلسطيني على الإطلاق، بمسؤولية خاصة تملي عليها أن توسع نطاق عملها على فضح نظام الاضطهاد الذي تتعهده إسرائيل إلى مدى أبعد وإخضاعها للمساءلة والمحاسبة، في ذات الوقت الذي تعمل فيه على إجراء تحليل متأنٍّ ودقيق وناجع للوقائع الراهنة من أجل مد يد العون في توجيه الحملات التي نطلقها في ميدان حقوق الإنسان. وإذا حان يومًا الوقت الذي ينبغي لنا فيه أن نتخلَّى عن مواطن راحتنا وأن نعزز حركتنا التي تتقاطع مع غيرها ونوطد الضغط العام الذي تمارسه، فقد آن هذا الأوان!

 

الفهرس

(1) المقدمة 2

(2) الاختلاف في النوع أم في المستوى؟ 3

(3) الدفاع عن الديموقراطية الاستيطانية 4

(4) إصلاح المستعمرة الاستيطانية أو إعادة اختراعها 8

(5) المؤشرات الرئيسية على الاختلاف في النوع 9

(6) المؤشرات الرئيسية للاختلاف في الدرجة 14

(7) ردود غير مسبوقة: أبرز المستجدات 16

7-1 التداعيات الاقتصادية: أمة الشركات الناشئة إلى أمة الشركات المغلقة (#ShutDownNation) 16

7-2 إسقاط قناع الديموقراطية: تنامي أثر حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) 20

7-3 الاضطراب السائد في المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات 22

7-4 فقدان «القبة الحديدية القانونية» 24

7-5 الآثار الأكاديمية والثقافية 24

(8) التضامن 25

8-1 التضامن مع الفلسطينيين 25

8-2 ماذا عن «اليسار» الإسرائيلي الذي يحارب اليمين المتطرف؟ 26

(9) الخلاصة 27

 

 

 

(1) المقدمة1

قال بتسلئيل سموتريتش، الوزير البارز في الحكومة الإسرائيلية والذي أعلن عن نفسه أنه «فاشي» وأيّد المجزرة التي اقترفتها مؤخرًا الميليشيات اليهودية الإسرائيلية الفاشية بحق الفلسطينيين في بلدة حوارة القريبة من نابلس في الأرض الفلسطينية المحتلة وحرّض علنًا على إرهاب الدولة: «أعتقد أنه يجب مسح حوارة من الوجود. يتعين على الدولة أن تكون هي من يفعل ذلكومع ذلك، لا يُعَدّ سموتريتش أول الزعماء الإسرائيليين الذين يتبنون أو يهددون على الملأ باقتراف أعمال الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأصلاني. فقد سبق أن هدد زعيم حزب العمل ماتان فيلاني الفلسطينيين في العام 2008 بإنزال «شوعاه‘ [هولوكوست] أكبر» بهم إن لم توقف جماعات المقاومة ردها المسلح على الحصار الإجرامي الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة والهجمات العدوانية التي شنتها عليه. كما كشف خطأ وقعت فيه جهات الرقابة الإسرائيلية، عن طريق المصادفة، عن وثائق سرية تفضح دافيد بن غوريون الذي أيد «مسح» قرى فلسطينية في أثناء النكبة التي حلّت بأبناء الشعب الفلسطيني في العام 1948، حيث أقر أحد الوزراء في حكومته الأولى بقوله: «دعونا نقول إن حوادث الاغتصاب وقعت في الرملة [المدينة الفلسطينية التي تعرض سكانها للتطهير العرقي]. في وسعي أن أغفر حوادث الاغتصاب، ولكنني لن أغفر أعمالًا أخرى،» من قبيل سلب «حليّ النساء» بالقوة.

ومع هذا، تفوق الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إسرائيل كل سابقاتها في عنصريتها وأصوليتها وتحيزها ضد المرأة وفسادها وسلطويتها ومعاداتها للمثليين على الإطلاق – وكل ذلك جهارًا نهارًا. وتعمل هذه الحكومة في الوقت نفسه على تصعيد سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري المتواصلة التي تنتهجها إسرائيل بحق الفلسطينيين الأصلانيين وربما تشكل تحولًا جذريًا في الخطط البعيدة المدى التي أعدتها لإجراء «الإصلاحات» القضائية والاجتماعية والثقافية، التي تفرز أثرها على المجتمع الإسرائيلي، وعلى الاقتصاد الإسرائيلي على الأرجح. لقد بدأ شيء لا يقل عن إعادة تشكيل لمشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في الظهور والبروز. ويفرض هذا الواقع على المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في شتى أرجاء العالم، ولا سيما في حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، مسؤولية أكثر إلحاحًا من ذي قبل وفرصة لم يسبق لها مثيل على مدى 74 عامًا.

لا تفضي الفرص وحدها إلى التغيير المنشود، بل لا تزيد عن أن تهيئ الأرضية المناسبة لاجتراح هذا التغيير. فلا يزال يتعين علينا أن نوسع نطاق حركتنا الإستراتيجية التي تتوافق مع الأخلاق بالبناء على المساعي التي ترمي إلى تعبئة حشد ما يكفي من القوة في أوساط الناس من أجل إفراز تغيير نوعي في الكشف عن الوجه الحقيقي لنظام الاضطهاد الإسرائيلي ومساءلته ومحاسبته على أفعاله، باعتبار ذلك إسهامًا في مسيرة النضال التي يخوضها الفلسطينيون في سبيل التحرر. وتضطلع حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) التي تناهض العنصرية ويقودها أكبر ائتلاف فلسطيني على الإطلاق بمسؤولية خاصة تملي عليها أن توسع نطاق عملها في هذا المضمار إلى مدى أبعد، في ذات الوقت الذي تعمل فيه على إجراء تحليل متأنٍ ودقيق وناجع للمستجدات الراهنة بغية مد يد العون في توجيه حملاتنا المتوالية التي تراعي السياق القائم في مجال حقوق الإنسان. فيما يلي تحليل للتغيرات الرئيسية التي تحصل الآن في المجتمع الإسرائيلي وأثرها المحتمل على حركة النضال التي يخوضها الفلسطينيون في سبيل التحرر بعمومها، وعلى حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) بصفة خاصة.

 

(2) الاختلاف في النوع أم في المستوى؟

تشكل هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في الوقت نفسه:

  1. اختلافًا في المستوى في مواجهة الفلسطينيين الأصلانيين، بالنظر إلى أنها لا تزيد عن كونها امتدادًا يتسم بقدر أكبر من التعصب والسفور لنظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي الذي امتد على مدى 74 عامًا.2

  2. واختلافًا في النوع في مواجهة المجتمع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، الذي غدا أشد فسادًا وسلطوية وأصولية وتحيزًا ضد المرأة وفسادًا ومعادة للمثليين من أي وقت مضى.

 

وتكمن المواضع التي تختلف فيها خطط هذه الحكومة في السياسات الاجتماعية والثقافية والقضائية التي تؤثر أساسًا في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، الذي يضطلع الفساد والشعبوية فيه بدور لم يسبق له مثيل في توجيه دفة التغيير الجذري في قطاع الحكم. وهذا يفرز أثره بالفعل على الاقتصاد الإسرائيلي ويفضي إلى بداية «هروب رأس المال،» وهو ما يثير قلقًا عميقًا في أوساط القائمين على وضع الخطط الاقتصادية في إسرائيل.

ويتمحور غضب المؤسسة الصهيونية «العلمانية» التي يهيمن الأشكنازيون عليها (ويمثلها كبار الساسة والمصرفيين والمديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) وضباط الجيش والأجهزة الأمنية وأعضاء السلك الأكاديمي والشخصيات الإعلامية وخبراء الاقتصاد وخبراء القانون والشخصيات الثقافية وغيرهم)، ومناصروها من التيار الليبرالي السائد في الغرب الاستعماري حول النقطة (ب)، وليس النقطة (أ) أعلاه. فهؤلاء يسعون، في التحليلات التي يضعونها والهجمات الغاضبة التي يشنونها على «النظام الانقلابي» والحلول التي يقترحونها، إلى استئصال شأفة الفلسطينيين عن بكرة أبيهم وإزالتهم من المعادلة وتبرئة ساحة نظام الاضطهاد المتواصل بحقنا.3

 

(3) الدفاع عن الديموقراطية الاستيطانية

يؤكد إلقاء نظرة فاحصة سريعة على الاتهامات الرئيسية التي توجهها هذه المؤسسة إلى الحكومة الجديدة، أو إلى جهات فيها، هذا العمل الواعي والدؤوب الذي يرمي إلى محو الفلسطينيين الأصلانيين من الوجود وطمسه: «فاشية،»4 و«مسيحانية فاشية،»5 و«سلطوية» و«تعتدي على الحرية نفسها»، و«لاليبرالية سافرة،» وحتى «تهديد للسلم العالميويصرخ القادة السابقون في قطاعات السياسة والجيش والقضاء وحتى القطاع المالي في الاحتجاجات الجماهيرية بأن خطط الحكومة قد «تشل الاقتصاد،» وأنها تحرض على اندلاع «حرب أهلية،» وتؤدي إلى «انهيار دستوري واجتماعي،» وتشعل فتيل «انتفاضة قانونية،» وتسبب «جرحًا للديموقراطية لا يندمل،» و«تقتل وسائل الإعلام في إسرائيل» و«تقوض حقوق الإنسان» وخلاف ذلك.

وطالما شكّل التوجه الفاشي، الذي بات ذكره شائعًا اليوم في عموم إسرائيل، جزءًا أصيلًا من الصهيونية السياسية. ولكنه بات الآن أقوى وأكثر جرأة مما كان عليه في أي وقت مضى في أوساط الحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث يدعو كبار وزرائها6 على الملأ إلى نظريات أو «حلول» تقوم على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو تتسم بعنفها المتطرف وبالعنصرية للتعامل مع «مشكلة» الشعب الفلسطيني الأصلاني أو يهللون لها أو حتى يشجعونها.

وغدت الكهانية،7 التي يسميها رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» «النسخة اليهودية من الفاشية،»8 تقع في صميم التيار السائد في إسرائيل وتطغى على المناصب الرفيعة المستوى في حكومتها، وهذا يؤمّن لنا فرصة مهمة لفضح هياكل الاضطهاد القائمة فيها وإماطة اللثام عنها. فأي دولة يُفترض بها أن تكون ديموقراطية وتحترم القانون الدولي، بصرف النظر عما يمكن أن تتسم به من رياء ونفاق، سوف ترى أنه من الصعوبة بمكان وعلى نحو يفوق أي وقت مضى أن تدافع عن علاقاتها الودية - التي تقوم على التواطؤ - مع إسرائيل بناءً على ذريعة «القيم الديموقراطية المشتركة»، وذلك عندما تواجه المقاومة المنظمة والفعالة التي تخوضها حركة التضامن المتنامية. ولكن، مرة أخرى، لن تفضي الفرصة وحدها إلى وضع حد لهذا التواطؤ ووأده. فمن شان حركة تضامن جماهيرية تتسم بفعاليتها وتعتمد نهجًا إستراتيجيًا وتقوم على ثوابت أصيلة أن تشكل عاملًا محفزًا رئيسيًا، مثلما حصل في عدة بلدان غربية في مواجهة نظام الفصل العنصري الذي كان قائمًا في جنوب أفريقيا.

تتمثل المعضلة الرئيسية التي تتعمد المعارضة الإسرائيلية ومؤيدوها الذين يعادون الفلسطينيين تجاهلها في أن الهدف الحقيقي والرئيسي الذي وضعته هذه الحكومة الإسرائيلية، ومثلها في ذلك مثل جميع سابقاتها، يكمن في إرساء دعائم الاستعمار الاستيطاني من خلال تسريع وتيرة ضم مساحات أكبر من الأرض الفلسطينية المحتلة بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون. ولا يزال التيار اليميني المتطرف، الذي يتزعمه حزب الليكود منذ نشأته،9 يتهم المحكمة العليا، وعلى الرغم مما أبدته من تأييد لمشروع الاستيطان الذي تتعهده إسرائيل دون وجه قانوني وتيسيره وتأمين الحماية لجرائم الحرب التي تقترفها من المساءلة الدولية على مدى عقود، بأنها تعوق إكمال المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يرى الائتلاف الحكومي أنه غايته الأساسية التي لا تفوقها غاية، حسبما أقر به نتنياهو في تغريدته الشائنة، والصادقة في الوقت نفسه.10

ويعكس الهجوم الذي يستهدف حكومة إسرائيلية قائمة من داخل المؤسسة الإسرائيلية خوفًا أصيلًا من أن خططها «غير العقلانية» و«عديمة المسؤولية» قد تكشف عن الوجه الحقيقي لنظام الاضطهاد الإسرائيلي وتقوض جوانب أساسية من ديموقراطية إسرائيل القائمة على الاستيطان والاستعمار.11 فأنت «لا تستطيع أن تنفي حقيقة ’الديموقراطية اليهودية» في نهاية المطاف. إن إسرائيل، بالفعل، ديموقراطية حية نسبيًا لصالح مستوطنيها المستعمِرين اليهود، في ذات الوقت الذي ترسي فيه دعائم نظام وحشي قوامه الاضطهاد بحق العرب الفلسطينيين الأصلانيين، بمن فيهم اللاجئين. وتعد إسرائيل، حسب التسمية التي يطلقها إيلان بابيه عليها، «ديموقراطية فوقية، ديموقراطية للأسياد دون غيرهمإن ما يجري تقويضه الآن هو هذه الديموقراطية الفوقية أو ما يسميه بيتر باينارت «الديموقراطية غير الليبرالية المخصصة لليهود» اليوم.

ويقول دانيال بلاتمان، وهو باحث إسرائيل بارز في الفاشية والنازية والهولوكوست، إن إسرائيل تديرها «حكومة شعبوية تقترب من الفاشيةولكن بلاتمان يركز، في مقابلة طويلة أُجريت معه وتخلّف فيها عن الإتيان على ذكر الفلسطينيين ولو مرة واحدة، على «الإصلاحات القضائية» التي أطلقتها الحكومة بقوله:

«لو نُفذت هذه ’الإصلاحات‘ القضائية في واقع معقد كواقع إسرائيل، فسوف تفضي إلى كارثة. نحن لسنا بولندا. في بولندا، سوف تعقد الانتخابات في غضون نصف عام. وسواء استبدلت الحكومة أم لم تستبدل، فسوف يعيش الشعب معها. ولكن في المكان التي توجد إسرائيل فيه، وبتركيبتها الاجتماعية المحلية، وفي ظل الاحتلال، ومع وجود أقلية من السكان [العرب] الذي يشكلون ما نسبته 20 في المائة، وفي ضوء هذه الحالة المعقدة من ناحية الأمن والمجتمع والاقتصاد - تعد الشعبوية وصفة للخراب. فهي لا تطال القيم الأخلاقية فحسب، بل تمتد إلى وجود البلد بكامله كذلك

....

ما كان فيما مضى يمينًا متطرفًا أضحى اليوم وسطًا. والأفكار التي كانت في السابق على الهامش صارت مشروعة. وبصفتي مؤرخًا يتخصص في مجال عمله في الهولوكوست والنازية، يصعب عليّ أن أقول هذا، ولكن ثمة وزراء من النازيين الجدد في الحكومة اليوم. لن ترى في أي مكان آخر - لا في المجر ولا في بولندا - وزراء عنصريين حتى النخاع على الصعيد الأيديولوجي. [التوكيد مضاف]

إن ما يرعب بلاتمان وأمثاله في حقيقة الأمر يكمن في أن هذه «الفاشية،» التي طالما شكلت عنصرًا أصيلًا وعضويًا في نظام الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الذي يستهدف الفلسطينيين الأصلانيين، باتت تصل إلى نتيجتها المنطقية: التحول على تهديد خطير يعتري المؤسسة اليهودية الإسرائيلية نفسها، مع ما ينطوي عليه من احتمال تقويض بعض قواعدها.12 وليس في وسع نطام عنصري قائم على الاضطهاد أن يحول بين العنصرية التي تضرب جذورها في عمق منظومته التي تظلم المضطهَدين وبين الامتداد إلى مجتمعه الذي يضم المضطهِدين، حسبما يقر بذلك بعض المعلقين الإسرائيليين الصادقين اليوم.13

ولا يظهر الواقع الذي يشهد على أن المحكمة العليا الإسرائيلية شكلت على الدوام ركنًا من أركان النظام الاستعماري الاستيطاني، وأمّنت «قبة حديدية قانونية» لا غنى عنها ووفرت الحماية لمجرمي الحرب الإسرائيليين من الخضوع للمساءلة الدولية، على شاشة رادار المعارضة التي تثور في وجه المؤسسة الصهيونية. فقد قضت هذه المحكمة في العام 2021، وفي واحدة من الجرائم العديدة التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين، مثلًا، بتأييد قانون الدولة القومية، الذي أعلن أن «ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل تنحصر في الشعب اليهوديوبناءً على ذلك، يعّرف هذا القانون وبصفة رسمية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، وهو وضع طالما التصق بهم. وفي العام 2022، منحت المحكمة العليا - التي يسكن أحد قضاتها في مستوطنة لا صفة قانونية لها في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 - الضوء الأخضر لطرد 1,000 فلسطيني قسرًا من ديارهم في مَسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة بغية إفساح المجال أمام إقامة «منطقة تدريب» لصالح الجيش.

وقال أورلي نوي، رئيس مركز بتسيلم، في معرض دراسته لتواطؤ هذه المحكمة: «لن أخرج للاحتجاج في تل أبيب حيث توجد شخصيات عسكرية في الساحة وأقول إنه يتعين علينا أن نحارب الإصلاحات القضائية لأن المجتمع الدولي سيتوفر لديه من الأسباب ما يحمله على إرسال أبناء شعبنا إلى المحكمة الجنائية الدولية. ينبغي الإحجام عن التركيز على ارتكاب جرائم الحرب في المقام الأول. ليس في وسعي أن أخرج في مظاهرة والمناداة بحماية الوضع القائم

 

(4) إصلاح المستعمرة الاستيطانية أو إعادة اختراعها

يضم الائتلاف الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، سيد النيوليبرالية، أحزابًا أصولية بارزة (شاس ويهدوت هتوراه) ضاقت ذرعًا بالنهج النيوليبرالي والتقشفي الذي انتهجته المؤسسة وتدعو إلى إقامة «دولة الرفاه» حتى لو كانت تقتصر على اليهود الإسرائيليين دون غيرهم. وعلى الرغم من أن حزب شاس سبق له في ماضي عهده أن تعامل مع العنصرية الإسرائيلية الداخلية (بحق اليهود العرب / المزراحيين، واليهود الحريديين / الأصوليين وغيرهم)، فإن هذه القضية لم تكن حاضرة في برنامجه الانتخابي في الانتخابات الأخيرة. ومع ذلك، تنحي الأحزاب الأصولية بجانب من اللائمة عن «الفساد» الديموغرافي الذي أصاب المجتمع اليهودي على مئات آلاف اليهود «المزيفين» (الأغلبية الساحقة من المستوطنين الذين ينحدرون من الجمهوريات التي كانت تنضوي تحت عباءة الاتحاد السوفييتي السابق) وعن الفساد الثقافي الذي يضرب المجتمع اليهودي بفعل «الهيئات الأجنبية» والفكر الغربي «المنحط»، وخاصةً الفكر المسيحي الذي يأتي من الكنائس في أوروبا. وبالتوازي مع ذلك، تشهد الاعتداءات العنيفة التي يشنها الإسرائيليون على المسيحيين الفلسطينيين وكنائسهم ومقابرهم وأيقوناتهم، وما يقترن بها هتافات «الموت للمسيحيين» و«الموت للعرب والأغيار» زيادة مطردة لا تفتر.

ومن جانب آخر، تلوم المؤسسة «العلمانية» المتدينين المتزمتين لأنهم يشكلون «عبئًا» يثقل كاهل خزينة الدولة دون أن يسهموا إسهامًا ذا بال فيها (ففي المتوسط، يدفع الإسرائيلي من غير الحريديين ستة أضعاف الضرائب التي يدفعها الحريديون، لكل فرد) ولكونهم «فاسدين» و«متعصبينوينظر إيران ياشيف، أستاذ الاقتصاد في جامعة تل أبيب، إلى الإصلاح القضائي على أنه اغتصاب للموارد على يد المتدينين المتزمتين واليمين المتطرف الديني الصهيوني. ويقول ياشيف: «إن ذلك يمثل إعادة توزيع [للموارد] من قطاع التكنولوجيا الفائقة لصالح الأقليات الدينية والقومية. ... وقد يحول إسرائيل إلى بلد غير ليبراليوزيادة على ذلك، ما فتئت المؤسسة «العلمانية» والمثقفون الذين يدورون في فلكها يرددون مفارقة التسامح الشهيرة التي خرج الفيلسوف كارل بوبر بها - «لكي تحافظ على مجتمع متسامح، يجب ألا يتسامح المجتمع مع التعصبويضع هؤلاء اللوم على «التسامح» الذي يبدو أن النخبة الحاكمة العلمانية أبدته دون قيد أو شرط إزاء وجهات نظر لم يكن يخفى تعصبها وإزاء الأفعال التي أقدمت عليها الطوائف الصهيونية الحريدية والقومية المتطرفة والدينية، مما أفضى إلى الواقع القسري المشهود في هذا اليوم. ومرة أخرى، لا يبرز ما يجمع الصهاينة من «التعصب» تجاه الفلسطينيين الأصلانيين - على أهون ما يمكن أن يوصف به هذا الأمر - في هذا النقاش.

وغدت هذه الأحزاب الدينية المتزمتة، التي ما عادت ترضى بإصلاح المؤسسة «العلمانية» الصهيونية وتحالفت مع الأحزاب الدينية القومية المتطرفة، عازمة على تجديد هذه المؤسسة أو إعادة اختراعها من الأساس. وتخشى المؤسسة «العلمانية» من أن يؤدي ذلك إلى مأسسة الفكرة الإقصائية التي تراها تلك الأحزاب «للهوية اليهوديةومع ذلك، فسوف تبقى المحافظة على هياكل الاستعمار الاستيطاني القائمة على الاضطهاد كما هي دون تغيير في مواجهة الفلسطينيين الأصلانيين تشكل القاسم المشترك بين وجهي العملة الاستعمارية الاستيطانية.

 

(5) المؤشرات الرئيسية على الاختلاف في النوع

ثمة تغييرات كثيرة يزمع الائتلاف الحاكم الجديد أن ينفذها. ويستند بعض هذه التغييرات إلى البرنامج الذي أجمع الائتلاف عليه وتلك التغييرات التي عبر عن بعضها عدد من وزرائه، وليس كلهم. وتستهدف بعض هذه الخطط بحكم الأمر الواقع، أو يمكن أن تفرز أثرها على، الأركان الأساسية التي تقوم هياكل السلطة في الدولة عليها:

  • يهدد منح الكنيست صلاحية إلغاء القرارات التي تصدرها محكمة العدل العليا و«تسييس» تشكيلة لجنة اختيار القضاة والمطالب الرئيسية التي تنادي الحركات الاستيطانية المتنفذة في الأرض الفلسطينية المحتلة بها بتقويض الفصل النسبي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (اللتين يسيطر الائتلاف عليهما معًا) من جانب، والسلطة القضائية من جانب آخر. لقد كانت السلطة القضائية تتمتع على الدوام باستقلال نسبي عن السياسة البرلمانية اليهودية الداخلية والإسرائيلية على الرغم من دورها الثابت والأساسي الذي شكّل ركنًا من أركان بنية الاستعمار الاستيطاني في مواجهة الفلسطينيين.14 وتعد الصلاحيات الهائلة التي تملكها المحكمة العليا في هذه الآونة الضامن الأساسي لنظام «الضوابط والتوازنات» في دولة لا دستور لها وليس لها غير مجلس برلماني واحد.15 وتحظى هذه الإصلاحات بدعم قوي في أوساط الجمهور اليهودي الإسرائيلي، بصرف النظر عن الأثر الهائل الذي يُحتمل أن يتمخض عنها.

  • يعد إنشاء منصب وزاري مستقل في وزارة الدفاع وتعيين بتسلئيل سموتريتش فيه، والسيطرة على ما يسمى «الإدارة المدنية» الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، التي تبسط حكمها على الفلسطينيين والمستوطنين الذين تنتفي الصفة القانونية عنهم فيها، أمرًا غير مسبوق. وبالتوازي مع ذلك، لا يمارس إيتمار بن-غفير، «وزير الأمن القومي،» أي سيطرة مباشرة على جهاز حرس الحدود برمته، وهو قوة لم تزل تعمل تحت إشراف قيادة «قوات الدفاع الإسرائيلية» في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وقد حذر غيورا إيلاند، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد ومستشار الأمن القومي السابق، من أن هذا الحال قد يفضي إلى «انهيار إستراتيجية قوات الدفاع الإسرائيلية بكاملها

 

وحذر عدة قادة عسكريين إسرائيليين رفيعي المستوى من أن هذه التغييرات قد «تغير وجه قوات الدفاع الإسرائيلية تغييرًا جذريًا» أو قد تؤدي إلى «تقويض تسلسل القيادة [فيهاوإضعاف جاهزيته القتالية. وأعرب البعض عن مخاوفه من أن هذه الإصلاحات قد ترسخ ضم أراضي الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون، مما يفضي إلى «تعقيد» العلاقات مع الجهات الغربية التي تمول إسرائيل وتساعدها، وهو ما يشير في مضمونه إلى الأثر المتنامي الذي يمكن أن تفرزه حركة التضامن.

ومن جملة الخطط الأخرى رفع سياسة «التهويد» التي تنفذها إسرائيل القائمة على الفصل العنصري إلى مستوى نوعي جديد. فقد بات «التهويد» يتحول إلى سياسة تهدد - ولو بدرجة أقل - قطاعات داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي المهيمن، إلى جانب توظيفه على الدوام باعتباره إستراتيجية من إستراتيجيات الاستعمار الاستيطاني لتهجير الفلسطينيين الأصلانيين قسرًا عن ديارهم وسرقة أراضيهم.16

  • تدفع الحكومة في اتجاه سن قانون أساس بشأن التشريع لكي ينص على أن أي قانون أساس (وهو قانون له قوة الدستور) سُنَّ سابقًا بأغلبية تقل عن 61 صوتًا من أصوات أعضاء البرلمان يفقد مكانته بوصفه قانون أساس ويتحول إلى قانون «عاديويكمن الهدف الرئيسي من هذا القانون في الغض من مكانة قانون الأساس بشأن كرامة الإنسان وحريته، الذي سنه الكنيست في دورته الثانية عشرة بأغلبية 32 عضوًا مقابل 21 عضوًا.

 

وعقّبت قاضية المحكمة العليا المتقاعدة أيالا بروكاشيا بقولها إن «تحويل قانون أساس [بشأن كرامة الإنسان وحريته] إلى قانون عادي يعني إنكار سموّ حقوق الإنسان وإخضاعها لإدارة أي حكومة قائمة، كما يقوض قدرة المحكمة على حماية الأفراد أو أبناء الأقليات من الضرر غير المتناسب الذي يمس أبسط حقوقهم الأساسيةواستطردت القاضية بروكاشيا القول إن الضرر قد يصيب «جميع مناحي الحياة التي نحظى بحقوق الإنسان فيها: المساواة وعدم التمييز، وحرية التعبير عن الرأي، وحقوق الملكية الفردية، والحق في الخصوصية، وحرية التنقل، والحق في حرية الدين والتحلل منهومرة أخرى، تشير بروكاشيا في تصريحها، ودون أن تحس بالمفارقة التي ينطوي عليها، إلى الحقوق الأساسية التي ينعم اليهود الإسرائيليون بها، دون أن تشير إلى تلك الحقوق الواجبة للفلسطينيين الأصلانيين على وجه التأكيد. فقد دأبت المحكمة العليا الإسرائيلية على رفض الدعوات التي توجَّه إليها بشأن إعمال المساواة17 لصالح المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، حيث يدفع قضاة بارزون فيها بأن هذه المساواة قد تقوض «السمة اليهودية» التي تسم الدولة. ولا تنص قوانين الأساس الإسرائيلية على إعمال المساواة في الأصل لأسباب ليست بخافية.

  • وفقًا لما جاء في اتفاقات الائتلاف، من المقرر رصد نحو 500 مليون دولار «لتعزيز الهوية اليهودية» في إسرائيل - وهذه عبارة تفهمهما المؤسسة «العلمانية» على أنها تعني تلقين التعاليم الدينية المتزمتة. وثمة خطط كذلك لتحويل دراسة التوراة إلى قيمة تعادل الخدمة في الجيش، وهو ما قد يتيح للحكومة وللمرة الأولى أن تسن قانونًا يعفي طلاب المدارس الدينية اليشيفا») من الخدمة العسكرية وإضفاء طابع قانوني على هذا الإعفاء، دون أن يبقى إعفاءً بحكم الأمر الواقع مثلما كان عليه حاله دائمًا.18

  • يبدي عضو الكنيست أفي موعاز (من حزب نوعام)، ونائب وزير في مكتب رئيس الوزراء يتولى المسؤولية عن إقامة «سلطة تُعنى بأمن الهوية» وعن برامج التعليم اللامنهجي، التزامه الأساسي «بتهويد» التعليم، الذي يؤكد الشريعة اليهودية (الهلاخاه) وتفوّق اليهود. ويقول موعاز: «إن رايتنا هي راية حرب لا هوادة فيها على التقدمية. يجب تغيير الوضع القائم، وعلينا أن نتأكد من أن اليهودية تحظى بالاعتراف في كل ناحية من النواحي. ستكون إسرائيل دولة ترعى السبت في الحيز العام. ولن تنال أسر المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية الاعتراف بها، ولن تخدم النساء في قوات الدفاع الإسرائيلية. إن إسهامهن يتمثل في الزواج ورعاية أسرهن

  • وتشمل الخطط التي وضعها الائتلاف الحكومي «توسيع نطاق الصلاحيات الممنوحة للمحاكم الدينية التي تمارس التمييز ضد المرأة، وترسيخ الفصل بين الجنسين في الحيز العام ومقاومة المبادرات التي تحارب العنف ضد المرأة تحت شعار المحافظة على سلطة الذكور في البيتوما فتئ ما يكنّه الائتلاف من «كره للنساء» محط هجوم المعارضة.19 ففي تل أبيب والقدس وحيفا، خرجت العشرات من النساء وهن يرتدين ملابس الخادمات المستوحاة من كتاب مارغريت أتوود «The Handmaid’s Tale» [«حكاية الخادمة»]، الذي يتناول مجتمعًا أصوليًا متخيلًا يقمع النساء ويضطهدهن.

  • يجري اقتراح تشريعات تمنح الحق لمقدمي الخدمات، بمن فيهم الأطباء، في رفض تقديم الخدمة لأي شخص إذا كان من شأن تقديم هذه الخدمة له أن يتعارض مع معتقداتهم الدينية. ويفسَّر هذا إلى حد بعيد على أنه يمكّن الإسرائيليين من جميع مناحي الحياة من رفض تقديم الخدمات ليس للفلسطينيين (المسلمين والمسيحيين) فحسب، بل لليهود من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمتسائلين وحاملي صفات الجنسين والنساء اليهوديات اللواتي يرتدين ملابس تفتقر إلى الاحتشام وغيرهن. وتقوم الأصولية اليهودية، شأنها شأن جميع الاصوليات الدينية، على الإقصاء وتعزز الكراهية العنصرية والعنف.20 وفي مقابل ذلك، تدعو حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، بوصفها حركة تلتزم التزامًا ثابتًا بمناهضة العنصرية، إلى تجنّب إطلاق أي تعميمات أو إجراء أي تحليلات قد تثير المشاعر المعادية للسامية.

  • من الجوانب المهمة الأخرى التي تنطوي عليها القوة المتنامية للأصولية اليهودية في الحكومة الإسرائيلية، وبخلاف الآثار الجلية التي تفرزها على الفلسطينيين، ما يُتوقع من فرض المزيد من القيود على التعريف الذي تضعه إسرائيل لليهود، بحيث يقصي أولئك الذين يعتنقون الديانة اليهودية بشهادة الحاخامات. فقد دعا بن-غفير إلى سحب اعتراف الدولة بتحوّل غير الأرثوذكس إلى اليهودية. ومن المحتمل أن يثير هذا التدابير وما يشبهه من تدابير غضب الملايين من اليهود غير الأرثوذكس، وخاصةً في الولايات المتحدة التي لا تزال اليهودية الإصلاحية فيها تشكل أكبر طائفة يهودية، مما ييسر قدرًا أكبر من الفرص أمام الجماعات اليهودية التقدمية التي تُكِنّ العداء للصهيونية - والتي يحتل دورها في هذه الحركة دورًا حاسم الأهمية بل وتزداد أهميته أكثر من ذي قبل - لحشد الدعم والمساندة لها.

  • في سابقة، قال أحد كبار الوزراء في الحكومة مؤخرًا «أنا فاشي معادٍ للمثليين،» حيث وجه بتصريحه هذا ضربة قاصمة لإستراتيجية الغسيل الوردي (pinkwashing) التي كانت تسير بسلاسة.

  • في أعقاب الهجوم الذي استهدف مستوطنين إسرائيليين في القدس الشرقية المحتلة في يوم 27 كانون الثاني/يناير 2023، لم يهتف المستوطنون - «الموت للعرب!» - فحسب، وإنما رددوا هتافهم «الموت لليساريينأيضًا. طالما أبغض اليمين المتطرف في إسرائيل ما يعتبره يهودًا إسرائيليين «يساريين»، شكلوا في معظمهم نواة المؤسسة الصهيونية (من قبيل زعماء حزب العمل وأمثال شمعون بيريس ويتسحاك رابين ويائير لابيد والقضاة البارزين في المحكمة العليا وغيرهم)، ممن أرادوا أن يرسخوا نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، الذي كانوا هم من أرسوا أسسه في المقام الأول، بيد أنهم سعوا إلى الإبقاء على قناع الدعاية الذي لا بد منه لتغطية وجه الديموقراطية والليبرالية، وكانوا بالتالي يبدون الاستعداد للتنازل عن جانب من السيطرة على جزء ضئيل من فلسطين التاريخية من أجل حبس الملايين من الفلسطينيين في بانتوستانات / غيتوهات فيه. فبالنسبة لهؤلاء، يمثل قطاع غزة النموذج الاستعماري الاستيطاني المثالي الذي يبين كيفية التعامل مع «مشكلة» الفلسطينيين الأصلانيين في شتى أرجاء فلسطين التاريخية – «أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من العرب.»

 

ولهذه المؤسسة «اليسارية» غاية نهائية وشاملة: تأمين المستعمرة الاستيطانية بإطالة أمد الأغلبية الديموغرافية للسكان اليهود وتفوقهم على مدى العقود المقبلة. وقد غدا الهجوم الذي يشنه المستوطنون اليمينيون المتطرفون على اليهود الإسرائيليين «اليساريين» والذي يساوون فيه بينهم وبين الأصلانيين الذين ينزعون الصفة الإنسانية عنهم، يجد التشجيع على الإقدام عليه بدعم من كبار وزراء الحكومة، مع أن هذا الهجوم ليس بالأمر الجديد.

فعلى النقيض من ذلك، يبتعد اليهود الإسرائيليون اليساريون، الذين يناهضون الاستعمار بحكم تعريفهم ويؤيدون تقويض أركان الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، عن هذا الجدل المؤسسي ولا ينخرطون فيه.21

 

(6) المؤشرات الرئيسية للاختلاف في الدرجة

بالنسبة للفلسطينيين، غدت السياسة المتواصلة المرتبطة بالاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري أكثر قسوة في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الخطط الطويلة الأمد التي تنطوي على نهج يتسم بقدر أكبر بكثير من الغطرسة تجاه العلاقات الدولية ويرفض بصراحة المخاوف الأصيلة التي يعرب عنها شركاء إسرائيل في جرائمها في الولايات المتحدة وأوروبا:

 

  • إن هذه الحكومة تنفذ حلم اليمين المتطرف في نهاية المطاف: ضم معظم الأرض الفلسطينية المحتلة، إن لم يكن ضمها كلها، بحكم الأمر الواقع وربما بحكم القانون من خلال زيادة وتيرة الاستعمار الاستيطاني في و«إضفاء صفة قانونية عليه»، بما يشمل الاستعمار في مرتفعات الجولان السوري المحتل، وبما يتماشى مع خطة الضم التي أعلنها ترامب ونتنياهو / «صفقة القرنوقد استُهلت أولى الخطوات الرسمية على صعيد الضم بحكم القانون بالفعل.

  • عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصًا تلك التي ترأسها حزب الليكود وشركاؤه من التيار اليميني المتطرف، رويدًا رويدًا على طمس معالم ما يسمى بالخط الأخضر (حدود الهدنة للعام 1949)، بالفعل إن لم يكن بالقانون.22 وقد شمل هذا الأمر وتيرة متزايدة من معاملة الفلسطينيين الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية (الفلسطينيون في فلسطين المحتلة في العام 1948) بوصفهم من السكان العرب الفلسطينيين الأصلانيين «الأعداء،» وعلى أنهم ما عادوا «عربًا إسرائيليين» يجب تمييزهم عن الفلسطينيين في بقاع أخرى ويتعين عليهم بحكم الأمر الواقع أن يسلّموا بوضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية في ظل نظام الاستعمار الاستيطاني العام الذي يقوم على الاضطهاد في أساسه باعتبار هذا الوضع هو قدرهم. وسوف تتضح معالم هذا التوجه، في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، بدرجة أكبر وتزيد صعوبة إخفائه، مما يضفي قدرًا أكبر من الزخم على وحدة الفلسطينيين التي تجلت في أبهى صورها خلال هبة أيار 2021 التي انطلقت شرارتها في جميع ربوع فلسطين التاريخية. ومن المتوقع اليوم أن تلقى الأفكار الكهانية أو الأفكار المستوحاة من كهانا، والتي ترى تصعيد أعمال التطهير العرقي بحق التجمعات السكانية الفلسطينية في فلسطين المحتلة في العام 1948، أو «التهجير الثابت،» والتي كانت شائعة على مدى عقود بين كبار زعماء حزبي العمل والليكود، رواجًا أكبر من ذي قبل في أوساط التيار السائد في إسرائيل.

  • قال نحمان شاي، وزير الشتات الإسرائيلي الأسبق، إن خطط الائتلاف الحكومي التي ترمي إلى توطيد هيمنة اليهود المتدينين المتزمتين في إسرائيل وترسيخها قد تنفّر اليهود غير الأرثوذكس على امتداد العالم، وهو أمر قد يزيد من الهوة بينهم وبين إسرائيل.23 وتشمل هذه الخطط حظر الصلوات اليهودية المختلطة بين الجنسين في أي بقعة مما يسمى «ساحة» الحائط الغربي24 (التي كان يتربع عليها حي المغاربة الذي تعرض سكانه للتطهير العرقي في البلدة القديمة بالقدس المحتلة) وإلغاء بند «الحفيد» من «قانون العودة» الاستعماري الاستيطاني، مما يفضي إلى تجريد أحفاد جد غير يهودي وحفيداته من الأهلية بموجب هذا القانون العنصري.

  • بات النقاش الذي يتناول تصاعد نفود الصهيونية الأصولية اليهودية في إسرائيل وآثارها الفتاكة المحتملة على الفلسطينيين الأصلانيين، والذي كان يخضع للرقابة في أغلب أحواله، يكتسي طابعًا عامًا أكبر في ظل هذه الحكومة. فقد دأبت الشخصيات الصهيونية الأصولية اليهودية، على مدى عقود، على الدعوة إلى ارتكاب الإبادة الجماعية والمجازر بحق المسلمين والمسيحيين العرب (وخاصة الفلسطينيين منهم)، وكانوا يوظفون في دعوتهم هذه تفسيرات متعصبة للشريعة اليهودية (الهلاخاه) من أجل تسويغها وتبريرها. فعلى سبيل المثال، احتفى شموئيل إلياهو، كبير حاخامات صفد ووالد أحد الوزراء في الحكومة الحالية، بموت عشرات الآلاف في تركيا وسوريا نتيجة للزلزال المدمر الذي ضرب البلدين في شهر شباط 2023، ودعاه «عدالة إلهية» حلّت «بأعداء» إسرائيل.

  • إذا كانت الحكومات السابقة التي قادها نتنياهو، والتي اتسمت بقدر أقل من الفاشية والأصولية، قد شكلت تحالفات قوية مع الأحزاب والحركات والأنظمة اليمينية المتطرفة والسلطوية والاستبدادية في العالم، والتي تجاهر كلها تقريبًا بمعاداتها للسامية، فإن حكومته الجديدة «الأكثر عنصرية على الإطلاق» تقطع الوعود بالمضي بهذه التحالفات إلى مستوى جديد بالكلية. فأولويته الدبلوماسية، مثلًا، تكمن في تطبيع العلاقات مع النظام الدكتاتوري السعودي.

  • قال وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الحالية وسفير إسرائيل السابق لدى واشنطن، رون ديرمر، في العام 2021 إن إسرائيل ينبغي لها أن توجه قدرًا أكبر من طاقتها نحو التواصل مع الإنجيليين الأمريكيين «الذين يبدون التعاطف معها» من تواصلها مع اليهود. وقال ديرمر إن الصهاينة المسيحيين يشكلون «عماد» الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، على حين يعد اليهود الامريكيون «من جملة منتقدي [إسرائيل] إلى حد كبيروتشكل الشراكة الوثيقة التي تعقدها إسرائيل مع الصهاينة المسيحيين، الذين يمكن القول إنهم يمثلون إحدى أقوى الطوائف التي تتغلغل معاداة السامية فيها25 على مستوى العالم (في الغرب وبقدر متزايد في بلدان الجنوب أيضًا) تهديدًا أكبر لا يكتنف حقوق الفلسطينيين والنساء والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمتسائلين وحاملي صفات الجنسين وغيرهم من أبناء الطوائف الدينية وحياتهم فحسب، بل يهدد سلامة اليهود في شتى أرجاء العالم، حسبما دأب عدد ليس بالقليل من الجماعات اليهودية التقدمية على التحذير منه.

 

(7) ردود غير مسبوقة: أبرز المستجدات

أثارت التطورات الواردة أعلاه وغيرها الكثير من المستجدات الناشئة قلق المؤسسة الأشكنازية الصهيونية - العلمانية نسبيًا - والتي كانت تبسط تملك زمام سيطرتها وهيمنتها على مدى عقود في إسرائيل وفي أوساط الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وغيرها من الأماكن، كما حركت سورة غضبها ودبت الاضطراب فيها على نحو جذري أكثر من ذي قبل. وفيما يلي بعض أهم المؤشرات التي لم تزل تتبدّى منذ أن تبوأت الحكومة الجديدة سدة الحكم، والتي تعكس الجزع من التهديد «الوجودي» الذي يعتري إسرائيل من داخلها، ناهيك عن الخوف المتنامي الذي يرد التعبير عنه ضمنيًا في حالات كثيرة، إزاء تصاعد عزلة إسرائيل ومقاطعتها.26

 

7-1 التداعيات الاقتصادية: «أمة الشركات الناشئة» إلى أمة الشركات المغلقة (#ShutDownNation)27

أثارت «الإصلاحات القضائية» التي تزمع الحكومة إطلاقها قدرًا أكبر من الغضب والحنق في أوساط أعداد متزايدة من التيار «الليبرالي» السائد في إسرائيل والغرب من أي خطط أو إجراءات مادية وُضعت على أرض الواقع في السابق. فقد حذر محافظ بنك إسرائيل نتنياهو من أن إصلاحاته القضائية الشاملة قد تلحق الضرر باقتصاد إسرائيل. وأفادت التقارير بأنه نقل المخاوف التي شاطره بها زملاؤه ممن شاركوا في قمة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، والتي رأوا فيها أن إصلاح منظومة القضاء في إسرائيل إصلاحًا شاملًا من شأنه أن يقوض الضوابط والتوازنات القائمة. ومن المحتمل أن يُلحق هذا الأمر الضرر بالعملة، ويؤدي إلى قرار يقضي بتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد وينفّر الاستثمار الأجنبي. ويبدو أن محافظ بنك إسرائيل كان لا يعي حينئذ أن أول تصويت بحجب الثقة في اقتصاد إسرائيل وبيئة الاستثمار فيها كان سيأتي من أرباب قطاع الأعمال الإسرائيليين، وليس الأجانب.

وقالت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي28 في مسودة تقريرها السنوي: «لقد شهد الفساد في إسرائيل ازديادًا على مدى السنوات القليلة المنصرمة ويعد أعلى مما هو عليه في البلدان الأخرى من أعضاء المنظمةوحذرت المنظمة من أن تزعزع الثقة في المؤسسات العامة ومؤسسة القضاء قد يسفر عن فقدان الاستثمارات المحلية والأجنبية معًا في إسرائيل.

وقال المئات من كبار خبراء الاقتصاد الإسرائيليين في رسالة بعثوا بها إلى نتنياهو: «إن تركيز السلطة السياسية الهائلة في يد الجماعة الحاكمة في ظل غياب ضوابط وتوازنات متينة قد يشل اقتصاد البلاد.» [التوكيد مضاف] وبعد ذلك، حذر 56 خبيرًا من خبراء الاقتصاد المعروفين على مستوى العالم، بمن فيهم 11 خبيرًا ممن فازوا بجائزة نوبل، من أن الإصلاحات المذكورة كانت «تعود بالضرر على ... الازدهار والنمو الاقتصادي [في إسرائيل].»

وقد انضم أكبر الرؤساء التنفيذين نفوذًا وتأثيرًا في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وهو تساهي وايزفيلد، نائب رئيس شركة إنتل، إلى الاحتجاجات، حيث قال مؤخرًا: «لقد ساعدتُ في تأسيس العديد من الشركات العملاقة في إسرائيل. وقد أسستها هنا لأنني صهيوني وإسرائيلي أعتز بذلك وملتزم بهذه الصناعة. وطالما كنت أملك القدرة على أن أبيّن الأسباب التي توجب إدارة كل شيء من هنا. وقد وجهت الدعوة في مرات كثيرة إلى إقناع مديري الشركات المتعددة الجنسيات بالأسباب التي تحدو بهم إلى القدوم إلى هنا. في السنوات القليلة الماضية، انكسر شيء ما في نفسي، ولست الوحيد الذي يعاني من هذاوخلص وايزفيلد إلى القول: «إننا نعيش في لحظة تسبق اختفاء قطاع التكنولوجيا المتقدمة من [إسرائيل].» ويمكن القول إن وايزفيلد يمثل المؤشر الأهم حتى هذا اليوم على النفوذ المعتبر الذي يضطلع به الالتزام الأيديولوجي بالصهيونية وبمشروعها الاستعماري الاستيطاني في تحديد الاستثمارات الأجنبية الهائلة في إسرائيل على الرغم من الظروف «الأمنية» التي تحفها مخاطر ليست عادية.

كما ضمت شركة هونغ كونغ وشانغهاي المصرفية (HSBC) صوتها إلى المستثمرين الذين يساورهم القلق، حيث قالت إن الإصلاحات المزمعة قد تؤدي إلى «تدهور بيئة الاستثمار وتلقي بظلالها بالتالي على العملة

وفي سياق التعبير عن المزاج السائد في أوساط الأعمال التجارية في إسرائيل، أوجز ليو باكمان، رئيس المعهد الإسرائيلي للابتكار، وهو حاضنة تضم 2,500 شركة ناشئة، المخاوف التي تساور هذه الأوساط في إسرائيل بقوله: «المستثمرون يتراجعون خطوة إلى الوراء ويقولون: ’أولًا، قرروا ما إذا كنتم نظامًا ديموقراطيًا أم دكتاتوريًا، ثم نتحدث.‘ ... لو كنت أعتقد أن هذا ’الإصلاح‘ القضائي سيزيد الوضع سوءًا، ربما كنت أفكر مرتين عندما أتحدث عنه. ولكنني أعتقد أننا نقدم على الانتحاروأشارت التقارير إلى أن أحد مصرفيًا سويسريًا رفيع المستوى، أغفل ذكر اسمه، استخدم هذه العبارة نفسها.

ومع تصاعد المخاوف من «الانقلاب القضائي،» غدت الاحتجاجات التي يطلقها قطاع التكنولوجيا الفائقة تتجاوز البوادر الرمزية وتتخطاها إلى تدابير مالية ملموسة. فقد أكدت مصادر في البنوك الإسرائيلية أن مبلغًا قدره 4 مليارات دولار تقريبًا جرى تحويله من البنوك الإسرائيلية بحلول منتصف شهر شباط/فبراير، ومعظمه إلى بنوك في الولايات المتحدة وأوروبا. وقامت شركات التكنولوجيا الفائقة وحدها بتحويل ما يربو على 780 مليون دولار. وفضلًا عن ذلك، حُفظت إيرادات إجمالية قدرها 2.2 مليار دولار جُنيت من أنشطة في الخارج في البنوك الخارجية، ولم تحوَّل إلى البنوك الإسرائيلية.

ووفقًا لما جاء على لسان زفي ستيباك، مؤسس بيت ميتاف للاستثمار (Meitav Investment House) ومالكه، وله مليون زبون ويدير صناديق تبلغ قيمتها 60 مليار دولار، فقد قلص المستثمرون الإسرائيليون بحلول نهاية شهر شباط/فبراير استثماراتهم بالفعل في الصناديق المشتركة المتخصصة في سندات دولة إسرائيل وسندات الشركات الإسرائيلية بفارق ضخم بلغ 3.4 مليار شيكل (ما يعادل 1 مليار دولار). وقد يقنع هذا الحال المستثمرين من المؤسسات في السندات الإسرائيلية، وخاصة في الولايات المتحدة، بأن تدرس سحب استثماراتها بسبب المخاطر الائتمانية.

ويقدر بوعاز باراك، وهو مصرفي إسرائيلي مرموق عمل لدى البنوك السويسرية على مدى عقود، بأن «تدفق الأموال من إسرائيل إلى سويسرا وحدها وصل إلى المليارات من الدولارات في [غضون الأسابيع القليلة الماضية].» ويفسر باراك ذلك بقوله: «إن الاقتصاد العالمي يتحرك على أساس العواطف وسيكولوجية القطيع. من الواضح قطعًا أن الثقة في الأنظمة المالية المحلية والمؤسسات الحكومية تشكل القوة المحركة للحياة اليومية في البلدان المتقدمة. ومن السهل فقدان هذه الثقة، أما استردادها فأمر بالغ الصعوبة. وانعدام الثقة عنصر ينشر العدوى. فعندما يفقد الإسرائيليون الثقة في بلدهم، يميل المصرفيون الأجانب كذلك إلى تبني هذه الرسالة وتلقّفها. ويثبط غياب الثقة وزعزعتها الاستثمارات في المشاريع الداخلية في البلاد وفي قطاعات الصناعات الرئيسية

وجاءت الاحتجاجات التي علا صوتها على غيرها بسبب «الإصلاحات القضائية» المرتقبة من قطاع التكنولوجيا الفائقة المؤثر في إسرائيل، والذي تبلغ مساهمته الإجمالية في الاقتصاد نحو 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لما ورد في دراسة صدرت عن شركة ديلويت (Deloitte) في العام 2022، وما لا يقل عن 40 في المائة من إجمالي الصادرات. وبعث صندوق شركة « إنسايت بارتنرز» (Insight Partners)، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرًا له ويعد أكبر المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي (حيث يستثمر في 75 شركة / شركة ناشئة)، برسالة إلى جميع الشركات التي تضخ استثماراتها فيها، ووجهت إليها تحذيرًا غير مباشر من «الثورة» القضائية والثقافية التي تتعهدها الحكومة الإسرائيلية. كما شجب الصندوق ما تقوم به الحكومة من «محاولة امتهان الحريات الشخصية والدوس عليها» و«أعمال الكراهية والعنف والتمييز

وأرسل العشرات من أرباب قطاع التكنولوجيا في إسرائيل رسالة إلى نتنياهو قالوا فيها: «نحن رياديي الشركات الناشئة ومؤسسيها في إسرائيل، والمستثمرين والمديرين في صناديق رؤوس الأموال المخاطرة، نتوجه إليكم والقلق يساورنا بسبب الآثار المدمرة على الاقتصاد بعمومه، وبصناعة التكنولوجيا الفائقة على وجه الخصوص، والتي يمكن أن تنشأ عن التحركات التشريعية التي تجري في هذه الأيام في أروقة الكنيست. ... فمن شأن تقويض مكانة المحاكم، والمساس بحقوق الأقليات على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو التوجه الجنسي، أن يشكل تهديدًا وجوديًا جسيمًا لصناعة التكنولوجيا الفائقة المجيدة التي بنيت في إسرائيل بكثير من عرق الجبين والكدّ على مدى العقود الثلاثة المنصرمة. ... إن زعزعة الثقة في النظام القضائي وفي الديموقراطية الإسرائيلية نتيجة لذلك، والتشريعات التي تضع علامة استفهام على الحقوق الأساسية والأصيلة التي يتمتع كل إنسان بها، قد يردع المستثمرين الذين انبروا لقيادة هذه الصناعة الرائعة29 [التوكيد مضاف]

ونظم ما لا يقل عن 16 شركة إسرائيلية من شركات قطاع التكنولوجيا الفائقة على الأقل إضرابًا لم يسبق له مثل لمدة ساعة واحدة في أواخر شهر كانون الثاني/يناير في تل أبيب وفي غيرها من مراكز هذه الصناعة. وقال المدير التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الفائقة: «إن التكنولوجيا الفائقة تدرّ الكثير من الأموال [على إسرائيل]. فهي تحرك قطاعات من الاقتصاد هنا. و40 في المائة من صادرات إسرائيل هي من التكنولوجيا الفائقة - وسوف تختفي في لمح البصر. هؤلاء الناس يتلقون استفسارات من الشركات الأمريكية في كل يوم. لك أن تفكر في مدى السرعة التي يستيقظ هؤلاء فيها ويفرون مبتعدين. ما الذي سيحدث لو اختفت شركات التكنولوجيا الفائقة الأولى التي تمثل نسبتها 10 في المائة؟ سوف ينتهي هذا القطاع

ومن بين شركات التكنولوجيا الفائقة التي أعلنت على الملأ الاستثمارات الضخمة التي سحبتها من إسرائيل صناديق رؤوس الأموال المخاطرة التابعة لشركات الأمن السيبراني «ويز» (Wiz) و«ديسرابتيف» (Disruptive) و« ديسرابتيف إي آي» (Disruptive AI)، التي تدير بمجموعها مبلغًا قدره 250 مليون دولار، وشركة «بابايا غلوبال» (Papaya Global)، وهي أحد الموردين لشركتي «مايكروسوفت» و«تويوتاوقالت المديرة التنفيذية لشركة «بابايا» وشريكتها المؤسسة إنها قررت سحب «جميع أموال الشركة من إسرائيل» لأنه « ليس ثمة ما يؤكد أننا نستطيع أن ننفد نشاطًا اقتصاديًا دوليًا من إسرائيل. هذا مؤلم ولكنه خطوة تجارية لا بد منها

وعدا عن الشركات، تفيد التقارير بأن أفرادًا إسرائيليين ميسوري الحال، يملك كل واحد منهم مدخرات تقارب مليون دولار ويودعونها في البنوك الإسرائيلية، «ينتظمون في طوابير لكي يجتمعوا مع بنوكهم ويقولون إنهم يريدون تحويل نصف أموالهم إلى الخارج

وقد استشرف آدم فيشر، الشريك المؤسس لشركة «بيسيمر فينتشر بارتنرز» (Bessemer Venture Partners)، التي مولت ما يربو على 30 شركة ناشئة في إسرائيل، مستقبلًا قاتمًا يحذو فيه الاستثمار الدولي في قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي حذو أصحاب المشاريع الريادية إذا ما رحلوا عن البلاد. فنحو 90 في المائة من جميع الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا في إسرائيل تأتي من مصادر أجنبية. ويقول فيشر: «عندما أستثمر في إسرائيل، فإنني لا أستثمر فعليًا في الاقتصاد الإسرائيلي. إنني لا أنظر إلى الشيكل ولا إلى بنية السكة الحديدية ولا إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي. أنا أستثمر في أصحاب المشاريع الريادية، وإذا أراد هؤلاء الرياديون أن يؤسسوا مشاريعهم في مكان آخر، فلا ضير في ذلك

وفي 27 شباط/فبراير 2023، صدرت نتائج مسح جديد أجراه فيشر وميشال تصُور، رئيسية شركة «كالتورا» (Kaltura) للبرمجيات، حيث بيّنا أن ما نسبته 90 في المائة من أصحاب المشاريع الريادية والمديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل يقولون إنهم إذا اضطروا إلى إعادة تأسيس شركاتهم اليوم، فسوف يؤسسونها خارج إسرائيل.

وقال غيغي ليفي-وايس، وهو شريك في صندوق رأس المال المخاطر إن إف إكس (NFX)، الذي يعد أحد أكبر المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي: «هذا الشيء الذي بنيناه على مدى سنوات مديدة قد ينهار في غمضة عين وينحدر إلى الهاوية، بحيث لن تتسنى لنا القدرة على الخروج منها. ومع أن الضرر الذي يصيب قطاع التكنولوجيا الفائقة ضرر فادح، فإنه لا يتوقف هناك. سوف يؤدي إلى زيادة في معدل سعر صرف الدولار، وضعف الشيكل، وتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل وزيادة في معدلات الفائدة. وهذه التوليفة مجتمعة تعني ضررًا مباشرًا يلحق بجيب كل مواطن وضربة مباشرة تحل بمستحقاته التقاعدية

 

7-2 إسقاط قناع الديموقراطية: تنامي أثر حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)

تشجب الأصوات الإسرائيلية التي تنبع من داخل التيار الصهيوني السائد تآكل «الديموقراطية،» كما صارت تدعو على حين غرة الجهات التي تمد يد العون لإسرائيل، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا، إلى فرض «عقوبات» محددة الأهداف على الزعماء الإسرائيليين، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأصوات تربط الإجراءات الراهنة التي ترمي إلى تقويض الديموقراطية الاستيطانية الإسرائيلية بنظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الذي لا يزال جاثمًا على صدور الفلسطينيين منذ عقود أم لا. ويذهب المحلل المخضرم أكيفا إلدار إلى أبعد من ذلك، حيث يدعو الولايات المتحدة وأوروبا إلى التوقف عن حماية إسرائيل والنأي بها عن العقوبات الدولية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والإحجام عن عوق المطالب التي ترفعها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن توقع إسرائيل على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وحتى الاتحاد الأوروبي لوضع حد لاتفاقية التجارة الحرة السخية التي أبرمها مع إسرائيل.

وقد حذر الزعماء الغربيون العنصريون الذين يناهضون الفلسطينيين ويكنّون العداء لهم، من أمثال إيمانويل ماكرون، نتنياهو من أن ما يزمع عليه من تقويض دعائم «استقلال» المحكمة العليا قد يجبر فرنسا على أن «تخلص إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل قد شقت عصا الطاعة عن المفهوم السائد للديموقراطيةولكن بينما جمد الاتحاد الأوروبي تحويل مليارات اليوروهات إلى المجر بعدما أخفقت في تنفيذ الإصلاحات الديموقراطية، فإن هذا الاتحاد لم يتخذ قط مثل تدابير المساءلة والمحاسبة هذه ويفرضها على النظام الإسرائيلي الذي ما انفك يقترف الانتهاكات الجماعية التي تمس حقوق الإنسان على مدى عقود، بما تشمله من بسط حكمه على ملايين الفلسطينيين دون منحهم أي حقوق ديموقراطية من أي وجه كان. فلا يزال الاتحاد الأوروبي، وبما اعتاد عليه من نفاق استعماري، يرفض الدعوات التي تنادي بفرض العقوبات على إسرائيل، حيث يدفع بأنها ما فتئت «ديموقراطية تسير سيرًا حسنًا

وخاطب الحاخام ريك جاكوبز، رئيس اتحاد اليهودية الإصلاحية، الذي يضم أكبر طائفة يهودية في الولايات المتحدة (حيث ينضوي تحت رايته نحو مليوني عضو)، المحتجين «المناهضين للانقلاب» في تل أبيب في يوم 25 شباط/فبراير، وأعرب عن القلق العميق الذي يساوره قائلًا إن إسرائيل إذا فقدت قناعها الديموقراطي، فقد تزيد من صعوبة الدفاع عنها في وجه حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) إلى حد بعيد. وقال جاكوبز: «في كل يوم، نحارب أولئك الذين ينزعون الصفة الشرعية عن إسرائيل. وفي كل يوم، نتشبث بموقفنا بالنيابة عن العلاقة الخاصة التي تجمع الولايات المتحدة بإسرائيل - وهي علاقة تقوم في أساسها وبقدر ليس بالضئيل على قيمنا المشتركة المتمثلة في الديموقراطية وحقوق الإنسانواستطرد جاكوبز يقول: «إن التهديدات التي تشوب ديموقراطية إسرائيل تهدد موقعها في أوساط المجتمع العالمي الذي يضم الأمم الديموقراطية

وانتقد ما يربو على 200 رئيس من رؤساء المؤسسات اليهودية الأمريكية، ومن جملتهم مسؤولون سابقون في اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك)، الخطط التي وضعتها حكومة نتنياهو والتي تستهدف اليهود من غير الأرثوذكس أو تلك التي يمكن أن تؤدي إلى ضم المزيد من الأرض الفلسطينية المحتلة.

واشترك اثنان من المسؤولين الأمريكيين السابقين، ممن منحهم الصهاينة براءة ثقة لا يمكن التشكيك فيها، وهما كبير مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية السابق آرون ديفيد ميلر والسفير السابق إلى تل أبيب دانييل سي. كورتزر، في كتابة مقالة افتتاحية في صحيفة «واشنطن بوست»، حيث سمّا فيها شركاء الائتلاف الذي يقوده نتنياهو «أحزابًا راديكالية وعنصرية تكنّ الكراهية للنساء وتعادي المثليينوأوصى المسؤولان بأنه يتعين على إدارة بايدن «ألا تقدم الأسلحة الهجومية أو غيرها من المساعدات بسبب الأعمال البغيضة التي ترتكبها إسرائيل في القدس أو الأرض المحتلة،» وأنه يحب عليها «ألا تتعامل مع بن-غفير أو سموتريتش أو غيرهما من الوزراء إذا ما استمروا في تبني سياسات وإجراءات عنصرية،» وأن عليها أن تخبر نتنياهو بأن «الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل في المحافل الدولية، بما فيها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولي، له حدوده

وحذر أكبر الأعضاء اليهود في مجلس الشيوخ (الكونغرس) الأمريكي من أن «العلاقة المهمة للغاية» التي تجمع إسرائيل بالولايات المتحدة «قد تتأذى على نحو لا رجعة فيه في حال مضت إسرائيل في تنفيذ التعديلات القضائية غير الديموقراطية التي اقترحها وزير العدلوغدت مبادرات عدة أطلقها أعضاء الكونغرس، ومعظمهم ممن دأبوا على دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ومعاداة الفلسطينيين وصرحوا عن أن نيتهم تكمن في «إنقاذ إسرائيل» من نفسها، تدعو البيت الأبيض اليوم إلى ممارسة الضغط على إسرائيل. ويرى أصحاب هذه المبادرات أن الإصلاحات التي يقف نتنياهو وراءها قد «تعرض الديموقراطية الإسرائيلية للخطر، وهو ما يقوض الأساس الذي تستند العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إليهوفضلًا عن ذلك، ففقد تعمل تلك الإصلاحات على «تمكين المشرّعين من تيار اليمين المتطرف ممن يسعون إلى توطيد عرى الاستيطان في الضفة الغربية وطرح برنامج يؤيد ضمها، مما يفضي إلى وأد الإمكانيات المتاحة أمام التوصل إلى حل الدولتين وتهديد وجود إسرائيل باعتبارها دولة يهودية وديموقراطية

وأصدر معهد دراسات الأمن القومي المؤثر في جامعة تل أبيب مؤخرًا تقييمه السنوي للتهديدات التي تواجه إسرائيل، حيث وضع على رأس هذا التقييم فقدان مساندة الولايات المتحدة ودعمها شيئًا فشيئًا، بما يشمله ذلك من فقدان الدعم الذي يؤمّنه اليهود الأمريكيون لها. وما لا يبوح به التحليل الذي خرج به هذا المعهد يتمثل في تنامي أثر حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، بما يشمل أثرها في أوساط اليهود الأمريكيين من فئة الشباب، حسبما أكدته استطلاعات الرأي الأخيرة. والنتيجة الرئيسية التي يخلص إليها هذا التقييم مفادها أن «العلاقة الخاصة» مع الولايات المتحدة باتت معرضة للخطر بسبب تحول الأجيال الذي يتجسد في «التأثير الذي يخلّفه جيل الشباب التقدميين على صعيد إنكار الصفة الشرعية التي تكتسيها إسرائيل والحركة الصهيونية، اللتان ينظرون إليهما كما لو كانتا تعبران عن تفوق العرق الأبيض المستعمِرولن يزيد التحول الذي تشهده إسرائيل نحو التيار اليميني المتطرف مع ما يقترن به من توجهات فاشية سافرة في أوساط الحكومة عن أن تفاقم هذا «الخطر» وتسرّع وتيرته.

كما شرعت شخصيات بارزة في المؤسسات اليهودية الصهيونية في المملكة المتحدة في توجيه انتقادات خافتة في أعقاب المجزرة التي اقترفتها إسرائيل في حوارة. ففي هذا المضمار، دعا أحد المؤرخين البارزين يهود العالم إلى المجاهرة برفض «تفسخ عرى الميثاق السياسي والاجتماعي بكامله» في إسرائيل، وحذر من أن تتحول إسرائيل إلى « ثيوقراطية قوميةوقال الحاخام جوناثان روماين: «إن الفصيل المتطرف في الحكومة [الإسرائيلية] يعادي المثليين ويعادي المرأة ويعادي الحريات المدنية ويعادي التعددية ويكنّ العداوة للفلسطينيين. فمزاج اليهود البريطانيين يتحول من داعمين بكل ما تؤتيه هذه الكلمة من معنى [لإسرائيل] إلى أصدقاء ينتقدونها - ويذيعون انتقاداتهم على رؤوس الأشهاد

 

7-3 الاضطراب السائد في المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات

طالما قيل إن إسرائيل جيش مع دولة، وإنها ليست مثل الدول العادية. فالحيش هو المؤسسة التي تحظى بأقصى قدر من الثقة حتى الآن (نحو 90 في المائة) وهو موضع إجلال المجتمع اليهودي الإسرائيلي وتقديره. ولذلك، تنطوي زعزعة الاستقرار أو أولى الإشارات على اندلاع ثورة في هذا الركن من أركان النظام الإسرائيلي على تداعيات أكبر بكثير مما يشهده أي حيز آخر. فللمرة الأولى على الإطلاق، يتنامى اضطراب داخل المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات في إطار الاحتجاج على الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة، ولا سيما خطتها التي ترمي إلى سن قانون يعفي طلاب المدارس الدينية (اليشيفا) من الخدمة في الجيش، مما يحيل هذا الإعفاء إلى إعفاء قانوني، دون أن يبقى إعفاءً بحكم الأمر الواقع مثلما كان عليه حاله على الدوام.

وهذا أحد العوامل المحورية التي تقف وراء الموجة الواسعة التي تضم الآلاف من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي ممن يرفضون أداء الخدمة فيه أو أعلنوا عن نيتهم الامتناع عن الخدمة، حسبما تفيد التقارير،30 وهو توجه يثير المخاوف في أوساط المراقبين المخضرمين من أن الجيش الإسرائيلي قد «يتفكك وتتفسخ عراه» - وإن كان في هذه المخاوف شيء من المبالغة. وتعمل الإصلاحات القضائية واحتمال إعفاء اليهود المتدينين المتزمتين من الخدمة العسكرية بحكم القانون على «إضعاف الروح المعنوية والدافعية في أوساط الجنود الذين يلتحقون بالخدمة الإلزامية وجنود قوات الاحتياط على السواء، وتقويض روح ’جيش الشعب‘،» وذلك حسبما جاء على لسان يوسي ميلمان، وهو صحفي إسرائيلي بارز وخبير متخصص في شؤون المخابرات والجيش. ويقول ميلمان، بناءً على تقديرات محافظة، إن «الآلاف [من الجنود] إما يكتنفهم التردد وإما يرفضون الحضور لتأدية الخدمة رفضًا قاطعًاواختتم ميلمان قوله: «لقد انهار السد بالفعل، واخترق الخلاف الجيش وشق طريقه إليه بالفعلوقد وصل هذا الاضطراب إلى نخبة النخبة، فلم يقتصر على 1,200 طيار، وإنما بلغ 500 من قدامى المحاربين في وحدة 8200 (استخبارات الإشارة) و410 جندي من جنود الاحتياط في وحدات الاستخبارات العسكرية السرية للغاية التي تؤمّن الدعم والإسناد للقوات الخاصة و«الموساد»، فضلًا عن 500 عميل سابق من عملاء «الشين بيت» والعملاء الحاليين لدى «الموساد،» وفقًا لما صرح ميلمان به.

وزيادةً على ذلك، أعلن نحو 150 جنديًا من جنود الاحتياط الذين يتخصصون في الحرب السيبرانية في يوم 2 آذار/مارس 2023 أنهم لن يحضروا لتأدية الخدمة في حال المضي قدمًا في الإصلاحات الشاملة التي تمس الجهاز القضائي. ومن بين هؤلاء ضباط يحملون رتب عقداء ومقدمين ورواد. وليس من باب المفارقة أن هؤلاء يساورهم القلق من أن «الإطار الأخلاقي والقانوني الذي يمكّننا من تطوير القدرات الحساسة التي نشغلها وإدارتها سيلحق الضرر والأذى به،» وأن «نظامًا يفتقر إلى رقابة القضاء قد يستخدم هذه القدرات على نحو غير أخلاقي وبطريقة تتنافى مع القيم الديموقراطية31 [التوكيد مضاف]

 

7-4 فقدان «القبة الحديدية القانونية»

احتج الجنود الإسرائيليون والمنظمات التي تناصرهم على الآثار الوخيمة التي يتركها تقويض سلطة المحكمة العليا على حماية مجرمي الحرب الإسرائيليين من المحكمة الجنائية الدولية. وقالت إحدى هذه المنظمات، وهي منظمة «داركينو»: إن «المحكمة العليا هي طوق النجاة الذي يعتصم جنود قوات الدفاع الإسرائيلية به، إنها تؤمّن الحماية لأبنائنا وبناتنا الذين يخدمون في الجيش من المحاولات التي ترمي إلى رفع الدعاوى على جنود قوات الدفاع الإسرائيلية أمام [المحكمة الجنائية الدولية] في لاهاي

ويشارك النخبة من طياري القوات الجوية الإسرائيلية في الاحتجاجات، حيث يقع على رأس مخاوفهم وشواغلهم أن الإصلاحات قد تجعلهم «أول من يمثل أمام المحكمة في لاهاي

ويشير محامٍ أمريكي كان على مدى عقود مدافعًا متحمسًا عن جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل إلى أنه «ثمة مفهوم في المحكمة الجنائية الدولية يسمى مبدأ التكامل. وذلك يعني أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك الولاية القضائية على الأفراد إذا كانت البلدان التي ينحدرون منها تعتمد أنظمة قانونية في وسعها أن تقيم العدل على نحو مُرضٍ. وفي هذا الوقت، لا تملك المحكمة الجنائية الدولية الولاية على إسرائيل لأن [المحكمة العليا] الإسرائيلية تؤدي عملًا رائعًا في حماية حقوق الأفراد والضحايا الذين يزعمون أن جرائم الحرب مسّتهم. فهي تُخضع الجنود والمستوطنين للمحاكمة أمامها، وقد يجري إضعاف القبة الحديدية القانونية تلك إلى حد معتبر بفعل هذه الإصلاحات القضائية، التي يمكن أن تيسر لأعداء إسرائيل أن يدّعوا أن المحكمة الجنائية الدولية ينبغي أن تمارس ولايتها القضائية على الأفراد الإسرائيليين

 

7-5 الآثار الأكاديمية والثقافية

حذرت اللجنة التي تضم رؤساء جميع الجامعات الإسرائيلية الرئيسية، بما فيها الكلية المقامة في مستعمرة أريئيل، من أن الإصلاحات القضائية الجذرية سوف تفضي إلى «ضرر قاتل» يمس المؤسسات التعليمية في البلاد ويزيد من استفحال المقاطعة الأكاديمية التي تتعرض لها. وقال رؤساء الجامعات: «من المحتمل أن تتجلى مظاهر هذا في هجرة العقول ... وأن الطلبة ... والزملاء الدوليين لن يحضروا إلى إسرائيل، وأن وصولنا إلى المؤسسات الدولية التي تمول الأبحاث سوف يغدو محدودًا، وأن الصناعات الأجنبية سوف تنسحب من التعاون مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وأننا سوف نقصى من المجتمع الدولي المعني بالأبحاث والتعليم

وردًا على مشروع قانون آخر طرحته الحكومة وينص على منح وزير المعارف السيطرة التامة على تعيين مجلس إدارة المكتبة الوطنية الإسرائيلية، هددت الجامعة العبرية التي تشترك في ملكية هذه المكتبة مع الدولة بسحب كل مجموعاتها منها، وهو تحرك من شأنه أن يلحق ضررًا فادحًا بموقف هذه المؤسسة الاستعمارية. كما يصرح المانحون من شتى أرجاء العالم بأنهم سوف يحجمون عن دعم المكتبة إن هي تحولت إلى أداة سياسية.

ودعا المخرجون السينمائيون الإسرائيليون البارزون إلى مقاطعة صندوق أفلام رابينوفيتش لأنه اشترط «إعلان الولاءومما له أهميته في هذا المقام أن هؤلاء المخرجين لم يسبق لهم أن دعوا إلى مثل هذه المقاطعة قط في عهد الحكومات السابقة، على الرغم من أن قسم الولاء كان مفروضًا منذ العام 2017. وتشير التقارير إلى أن التوقيت الذي اختاره المخرجون الإسرائيليون يعد احتجاجًا استباقيًا في وجه الخطط الجديدة التي طرحها وزير الثقافة لإلزام كل صناديق الأفلام التابعة للحكومة الإسرائيلية بإضافة إعلان الولاء باعتباره شرطًا من الشروط التي ينبغي الوفاء بها لصرف الأموال لإنتاج الأفلام الجديدة.

وحذر رئيس أكاديمية إسرائيل للعلوم والإنسانيات من المخاطر التي تفرضها الإصلاحات القضائية على الجهة الرئيسية التي تتكفل بتمويل الأبحاث في إسرائيل، وهي الجمعية الإسرائيلية للعلوم، التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المراجعين الخارجيين في الخارج. وقال: «[إننا] نرى أولى الإشارات على الزيادة التي يشهدها رفض المراجعات. ولو استمر هذا الاتجاه على نطاق كبير، فسوف يلحق ضرر جسيم بقدرة الجمعية الإسرائيلية للعلوم على تقييم العلوم الإسرائيلية، وهو ما سيكون له تداعيات بعيدة المدى

 

(8) التضامن

 

8-1 التضامن مع الفلسطينيين

إن التضامن الفعال مع مسيرة النضال التي يخوضها الفلسطينيون في سبيل الحرية والعدالة والمساواة بات أمرًا ملحًا أكثر من أي وقت مضى. فالميليشيات الإسرائيلية الفاشية، التي تلقى الدعم العلني من كبار الوزراء في الحكومة اليمينية المتطرفة، تعمل بلا هوادة - وبما تتمتع به من إفلات من العقاب - على حرق بيوت الفلسطينيين وبساتينهم وأشجار الزيتون المعمرة التي يملكونها ولا يتنانون عن سرقة أراضينا، في الوقت الذي يخنقون فيه أبناء شعبنا في كل مكان ويكبتون أنفاسهم في أحياز ما فتئت تتضاءل ويفرضون الحصار عليها. لذلك، تعد مقاومتنا الشعبية على الأرض، والتي تحظى بالتضامن الجاد الذي يبديه الملايين في شتى أرجاء العالم، العامل الوحيد الذي يحول بين تلك الميليشيات وبين اقتراف مجازر أشنع مما اقترفتها في سالف عهدها.

ويكمن الشرط الجوهري المسبق لكفالة التضامن في وضع حد للتواطؤ مع نظام الاضطهاد. ولا غنى تصعيد الإجراءات التي تتعهدها حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) الآن - قطع العلاقات الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأمنية مع إسرائيل التي تقوم في أساسها على الفصل العنصري ومع المؤسسات والبنوك والشركات المتواطئة معها - من أجل رفع معنوياتنا والمحافظة على جذوة الأمل في أن نحظى بحياة ننعم فيها بالعدالة والسلام والكرامة ونحن أحياء نرزق. ولا نستغني عن هذا التضامن على الإطلاق لكي ننقذ حياتنا ونحافظ على سبل عيشنا في وجه الهتافات والنيات السافرة التي تدعو بلا خجل إلى إبادتنا إبادة جماعية.

 

8-2 ماذا عن «اليسار» الإسرائيلي الذي يحارب اليمين المتطرف؟

في معظم الدوائر الأكاديمية أو الثقافية أو الدوائر التي تطلق الحملات المناهضة لحركة «الغسيل الوردي،» تبرز اليوم مسألة جديدة يدور الحديث حولها في أوساط الصهاينة: «يتعين على العالم الآن وأكثر من أي وقت مضى ألا يقاطع إسرائيل، وإنما ينبغي له أن يتضامن مع اليسار الإسرائيلي وأن يقف إلى جانبه في مواجهة اليمين المتطرف المتنامي الذي يعمل على تقويض الديموقراطية والحرياتوهذا يشير، بالطبع، إلى الدفاع عن الديموقراطية الاستيطانية وحريات المستعمِرين المستوطِنين التي طالما حُرم الفلسطينيون الأصلانيون منها ولم ينعموا بها قط.32

وتتمثل الاستجابة الفعالة التي تحظى بالاحترام لهذه المسألة المخادعة في التشبث بالاختبار الأخلاقي الأول الذي تضعه حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) للوقوف على وجود التواطؤ:

  1. هل تدعم المؤسسة / النشاط الإسرائيلي الذي يسعى إلى «التضامن» الحقوق الأساسية الواجبة للفلسطينيين بموجب القانون الدولي أم لا؟

  2. هل وضعت حدًا لجميع أشكال التواطؤ مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي؟

 

إذا كانت الإجابة عن أي من هذين السؤالين سلبية، فإن المؤسسة / النشاط يتسم بالعنصرية ولا يمكن أن يتصف بأنه «يساري» ولا حتى «ليبرالي» في ظل أي معيار من المعايير الدولية. فهذا التيار الذي ينأى بنفسه عن «محاربة» النظام اليميني المتطرف إنما هو جزء من نظام الاستعمار الاستيطاني القائم على الفصل العنصري في أساسه، ولا يحارب إلا في سبيل تأمين مصالحه وامتيازاته الضيقة، دون أن يتصدى للأسس التي يستند الاضطهاد إليها. ولن يسهم الوقوف إلى جانب هذه المنظمات والالتفات إلى نداءاتها بشأن تجاهل الدعوة التي يوجهها الفلسطينيون الأصلانيون إلا في الإبقاء على نظام الاضطهاد بكليته.

ينبغي التضامن مع أولئك الذين يخوضون النضال بحق في سبيل وضع حد للأنظمة والهياكل التي تمارس الاضطهاد، وليس أولئك الذين يريدون أن «يجمّلوها» في عيون البعض، والذين يريدون أن يجعلوا الأغلال التي تكبلنا «أكثر راحة،» لا أن يمدوا يد العون لنا لكي نكسرها ونحطمها، مثلما قال رئيس الأساقفة ديزموند توتو مرة. هل استحق المستوطنون البيض في جنوب أفريقيا ممن لم يحاربوا إلا في سبيل الحقوق (الحقوق المتساويات للنساء البيضاوات، مثلًا) والامتيازات الضيقة التي كانت تخص مجتمعاتهم، في ذات الوقت الذي كانوا فيه جزءًا من نظام الفصل العنصري بأكمله، التضامن من جانب العالم؟

وفضلًا عن ذلك، يتعرض اليساريون اليهود الإسرائيليون الحقيقيون، اليساريون الذين يناهضون الصهيونية ويعارضون الاستعمار، الذين هم شركاؤنا في مسيرة النضال، للهجوم من جانب اليمين المتطرف الإسرائيلي ومن جانب ما يسمى التيار «اليساري» السائد كذلك.

 

(9) الخلاصة

لا شيء يوقف إسرائيل، مع بروز توجهاتها الفاشية السافرة، ويمسكها عن اقتراف مجازر أبشع وأعمال التطهير العرقي الجماعي غير خوفها من المقاطعة والعقوبات الدولية الجادة. فالفلسطينيون الأصلانيون في كل مكان يدعون أصحاب الضمائر في شتى أرجاء العالم إلى توجيه غضبهم الأخلاقي وضمه إلى الضغط الذي تمارسه حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) والذي يتسم بقدر من الفعالية من أجل إخماد الحرائق التي يضرمها الاضطهاد والعنف والاستعمار الذي نكابده - نكبتنا المستمرة.

إن الحكومات والشركات والمؤسسات في العديد من البلدان تتواطأ تواطأً لا يُستهان به مع نظام الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي الذي مضت عقود على قيامه، مثلما كانت تتواطأ مع نظام الفصل العنصري الذي كان قائمًا في جنوب أفريقيا. وليس في وسع إسرائيل أن تبقي على نظام الاضطهاد هذا وتديمه إلا بالتواطؤ الدولي معها.

فيما يلي خمسة أمور ناجعة تستطيعون أن تؤدوها من أجل التصدي لهذا التواطؤ ومساندة مسيرة النضال التي يخوضها الفلسطينيون في سبيل الحرية والعدالة والمساواة:

  1. العمل مع الشبكات التقدمية لممارسة الضغط على البرلمانات والحكومات، بما فيها هيئات الحكم المحلي / المجالس البلدية من أجل (أ) وضع حد لجميع أشكال التعاون العسكري والأمني والتجاري (التمويل العسكري في حالة الولايات المتحدة) مع إسرائيل القائمة على الفصل العنصري، ومع أنظمة الاضطهاد الإجرامية على امتداد العالم بالمثل، (ب) وحظر البضائع / الخدمات التي تورّدها الشركات العاملة في المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية التي تنتفي الصفة القانونية عنها (أو أقصاؤها من إجراءات المشتريات)، والانتهاكات الجسيمة التي تمس حقوق الإنسان في أي مكان آخر بالمثل، (ج) وحضّ الأمم المتحدة على اتخاذ الإجراءات للتحقيق في نظام الفصل العنصري الذي تتعهده إسرائيل وإزالته، مثلما فعلت من قبل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

  2. حشد حملات الضغط التي تطلقها المؤسسات (بما تشمله من المقاطعة وسحب الاستثمارات) ضد الشركات والبنوك الإسرائيلية والدولية التي تتواطأ مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تقترفها إسرائيل. وهذا يشمل البنوك الإسرائيلية (ليئومي وهبوعليم وغيرهما) والشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة، مثل «أنظمة إلبيت» (Elbit Systems)، و«غوغل» (Google)، و«أمازون» (Amazon)، و«إتش بي وإتش بي إي» (HP and HPE)، و«كات» (CAT)، و«جي سي بي» (JCB)، و«فولفو» (Volvo)، و«هونداي للصناعات الثقيلة» (Hyundai Heavy Industries)، و«شيفرون» (Chevron)، و«سيمنز» (Siemens)، و«كاف» (CAF)، و«جي فور إس/ألايد يونيفرسال» (G4S/AlliedUniversal)، و«إي إكس إي» (AXA)، و«بوما» (PUMA)، و«كارفور» (Carrefour)، وموقع (Booking.com) و(Airbnb) و(Sabra)، وشركة «باركليز» (Barclays)، و«إكسبيديا» (Expedia)، والشركات العسكرية وشركات التجسس الإسرائيلية، والكثير غيرها.

  3. حشد المجتمعات أو النقابات أو الجمعيات أو الكنائس أو الشبكات الاجتماعية أو اتحادات الطلبة أو المجالس البلدية أو المراكز الثقافية أو المنظمات الأخرى لكي تعلن عن نفسها مناطق حرة من الفصل العنصري، أو تضع حدًا لجميع العلاقات مع إسرائيل التي تقوم على الفصل العنصري والشركات / المؤسسات التي تتواطأ مع الانتهاكات الجسيمة التي تقع على حقوق الإنسان على امتداد العالم.

  4. إطلاق / دعم جميع أشكال المشاركة الأكاديمية والثقافية والرياضية والسياحية التي تنظمها أو ترعاها إسرائيل القائمة على الفصل العنصري أو جماعات الضغط التابعة لها أو المؤسسات المتواطئة معها.

  5. الانضمام إلى حملة من الحملات التي تطلقها حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) أو إلى جماعة تضامن إستراتيجية مع فلسطين على مقربة منكم للعمل بصورة جماعية وفعالة.

 

وجهوا غضبكم واحشدوا الضغط الذي تمارسه حملة مقاطعة إسرائيل (BDS) لإنهاء الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري وأشكال العنصرية والاضطهاد كافة.


1 تستند هذه الوثيقة في شطر كبير منها، وعن قصد، إلى المصادر العامة في إسرائيل. ويُقصد منها أن تشكل مرجعًا لتوجيه ودعم المساعي المتواصلة التي نبذلها في سبيل تعميم معارفنا المستندة إلى الأدلة عن نظام الاضطهاد الإسرائيلي في هذه المرحلة التي لم يسبق لها مثيل، والأهم من ذلك، تعميم تدابير المساءلة والمحاسبة، ولا سيما تلك التدابير المرتبطة بحركة مقاطعة إسرائيل (BDS).

2 من المصادر الممتازة التي تتناول الفصل العنصري بوصفه أداة من أدوات نظام الاستعمار الاستيطاني الذي تتبناه إسرائيل منذ العام 1948 التقرير الذي نشرته مؤسسة الحق، وهي المؤسسة الفلسطينية البارزة التي تُعنى بحقوق الإنسان، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022. ومن الوثائق التاريخية المرجعية في هذا المقام الدعوة إلى تشكيل جبهة عالمية لتقويض نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي، التي أطلقتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في شهر كانون الثاني/يناير 2023، بالشراكة مع حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية ووزارة العدل الفلسطينية ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وبمشاركة خبراء قانونيين وصحفيين ونشطاء سياسيين وأكاديميين وجهات داعمة. وزيادةً على ذلك، غدت هيئة التحرير في صحيفة «هآرتس» تقول إن الحكومة الإسرائيلية تعمل اليوم على إرساء دعائم نظام «الفصل العنصري بكامل أركانه» في الأرض الفلسطينية المحتلة.

3 فحسبما ورد على لسان حجاي إلعاد، المدير التنفيذي لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، «لا يدور الجدل الراهن في إسرائيل حول الاضطهاد الفعلي الذي يستهدف الفلسطينيين - فهذه مسألة تحظى بإجماع واسع - بل يتمحور هذا الجدل حول المدى الذي يجب المضي فيه لسحق حقوقهم ودوسها

4 اشتُهر بريمو ليفي، وهو خبير يهودي إيطالي بارز في مسائل الفاشية، بعبارته الشهيرة التي يقول فيها إن «الفاشية بعيدة كل البعد عن أن تكون ميتة. إنها لم تزد عن أن تختبئ ... تلتزم الصمت، لكي تطل برأسها من جديد تحت قناع جديد، وعلى نحو تقل معه إمكانية التعرّف عليها وتحظى فيه بقدر أكبر من الاحترامولم يسبق أن وظفت الفاشية من قبلُ على هذا النطاق الواسع في التيار السائد الذين يهيمن على الغرب وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية مثلما استُخدمت على مدى الشهور القليلة الماضية لوصف التوجهات الرئيسية في أوساط الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حيث يكاد ينحصر التركيز على الإسرائيليين اليهود بوصفهم ضحايا محتملين لهذه التوجهات. انظر، مثلًا، هنا، وهنا، وهنا، وهنا، وهنا، وهنا، وهنا، وهنا. ويملك هذا الواقع القدرة أكثر من أي شيء آخر على أن يقوض الصورة التي عملت إسرائيل بتؤدة وعلى نحو فعال للغاية على رسمها لنفسها في دعايتها التي تقول إنها «الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط

5 في سابقة، قال أحد كبار الوزراء في الحكومة مؤخرًا «أنا فاشي معادٍ للمثليين

وبصرف النظر عن ذلك، فبينما تقتضي الأهمية أن نسلط الضوء على هذا التوجه الفاشي، ولا سيما في الغرب، فإن وصف الحكومة برمتها على أنها فاشية لا يُعدّ - حتى الآن - وصفًا دقيقًا، وقد يستبعد حلفاء محتملين دون داعٍ.

6 فعلى سبيل المثال، يشير وزير الدعاية (هاسبرا) الإسرائيلي في سياق محاولته تسويغ جرائم الحرب التي تقترفها إسرائيل إلى الفلسطينيين بوصفهم «قتلة جرى غسل أدمغتهم وبرمجتهم على السعي إلى إراقة دم اليهود منذ الأزل

7 اشتهر الحاخام مائير كهانا في التجمعات الشعبية التي كان ينظمها في إسرائيل، وخاصة في البلدات المختلطة التي يقطنها الفلسطينيون واليهود، بترديد قوله إنه ليس ثمة غير كهانا واحد يصدح بصوته، وثمة مليون كهانا لا ينبس عن بنت شفة. وغدا الآن أكثر من مليون كهانا، ممن يدلون بأصواتهم للأحزاب الفاشية التي تلقى التشجيع على الدفاع جهرًا عن خطط الإبادة الجماعية التي وضعتها، في الوقت الذي يلتزم فيه ملايين الكهانيين الآخرين جانب الصمت. ووفقًا لما جاء في المسح الذي يفوق غيره في حجيته لرأي اليهود الإسرائيليين، يعرّف 62 في المائة ممن شملهم المسح أنفسهم بأنهم ينضوون تحت راية «اليمين،» الذي يتقاطع مع اليمين المتطرف في أمكنة أخرى حسب المعايير الدولية. ويعتقد نحو 50 في المائة المستطلعة آراؤهم أن «المواطنين اليهود في إسرائيل ينبغي أن يحظوا بقدر أكبر من الحقوق من المواطنين غير اليهود. ويفضل 43 في المائة أن يروا إسرائيل أكثر يهودية من كونها ديموقراطية. ويعتقد 66 في المائة أن منظمات حقوق الإنسان تلحق الضرر بالدولة. والمؤسسة التي يضع من شملهم المسح ثقتهم فيها هي الجيش الإسرائيلي (حيث يثق فيها 88 في المائة في المتوسط).»

8 من المفارقة أن مائير كهانا دأب على تسمية خصومه «اليساريين» اليهود الذين كانوا يسعون إلى شطبه «بالفاشيينوقد أشار في إحدى المحاضرات التي ألقاها في الولايات المتحدة خلال العام 1984، مثلًا، إلى خصومه من اليهود وصرخ قائلًا: «لا تحدثوني، أنتم اليساريون، عن حب اليهود. إنني أعلم ما أنتم عليه! فاشيون؟ هؤلاء هم الفاشيون

9 صوتت اللجنة المركزية لحزب الليكود بأغلبية ساحقة لصالح تأييد ضم الأرض الفلسطينية المحتلة بكاملها إلى إقليم إسرائيل في العام 2017.

10 الترجمة العربية للتغريدة التي نشرها نتنياهو: «للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في جميع بقاع أرض إسرائيل. وسوف تعزز الحكومة الاستيطان وتنمّيه في جميع ربوع أرض إسرائيل - في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة

11 يقول الصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت: «لقد تشدقت الحركة الصهيونية، وشأنها في ذلك شأن غيرها من المستعمرات الاستيطانية كالولايات المتحدة وكندا وجنوب أفريقيا بأنها أنشأت «مجتمعًا نموذجيًا» في فلسطين - لصالح المستوطنين بالطبع، وليس لصالح السكان الأصلانيين. وكان من بين مظاهر هذا «المجتمع النموذجي» الديموقراطية الداخلية التي أقامتها الحركة الصهيونية من البحر إلى النهروتقول عالمة الاجتماع الإسرائيلية إيفا إيلوز: «على غرار العديد من الشواهد على الاستعمار الاستيطاني، يشكل تاريخ الحركة الصهيونية سجلًا حافلًا باستخدام القوة اللازمة للتغلب على السكان الأصلانيين. كما إن تاريخ الحركة الصهيونية هو تاريخ قائم على تمجيد تلك القوة

12 يقول يوسي كلاين في صحيفة «هآرتس»، مثلًا، «لقد عملوا، على مدى 75 عامًا، على تسريب الفاشية إلى المدارس دون أن يسموها باسمها. ’حب البلاد‘، و’الاستيطان‘ و’اليمين المتطرف.‘ علمونا أننا أفضل من العالم بأسره، وأننا ضحايا كذلك. وبفضل الرابطة التي تجمع بين رثاء الذات والغرور، فعلنا ما ترفضه الديموقراطية وما تقبله الفاشية. وأسهم كل وزير من وزراء المعارف في تعزيز الفاشية، وتكفّل كل منهاج في ترسيخها وتعزيزها. لقد مزجوها بمكونات كانت الغاية منها إضفاء الضبابية على أصلها. فأعطانا ’حقنا في الأرض‘ الحق في طرد اللاجئين وتعذيب من يقع تحت نير احتلالنا. فمسح الآباء عيونهم وهم لا يصدقون. أووا إلى فراشهم مع أبنائهم الصالحين واستيقظوا فوجدوا قوات الصاعقة. لو كانوا يريدون حقًا أن يعرفوا من أين استقى أبناؤهم هذا الشر، فينبغي لهم أن يذهبوا إلى المدارس وأن يقرأوا المنهاج وأن يتفحصوا ما يتعلمونه، وبوجه أخص ما لا يُسمح لهم بأن يتعلموه

13 يكتب إسرائيل فراي في صحيفة «هآرتس»: «انتهى الأمر. ما عادت هذه دولتنا. لقد احتلتها قوى فاشية. آن الأوان لأن نفكر كما لو كنا خصوم النظام. ومعارضو النظام الجديد لا يحاربون في سبيل «سلامة العقل» والحكم الرشيد. إنهم يمثلون بلا خوف جبهة المساواة التامة، التي يرجح أن تأتي على التفوق من أساسهوينتقد حجاي إلعاد، المدير التنفيذي لمركز بتسيلم «الحنين» الكاذب للمعسكر المناهض للحكومة بقوله: «لم تقتصر إسرائيل على احتلال المناطق، بل نفذت ممارسة ’هناك‘ كانت قد نفذتها ’هنا‘ بدءًا من العام 1948. ومن جملة هذه الممارسات فرض الحكم العسكري وتعزيز ’الاستيطان اليهودي‘ - استيلاء اليهود على أراضي الفلسطينيين وإعادة هندسة السلطة السياسية، والجغرافيا والديموغرافيا. كل شيء بدأ ’هنا‘ ولا يزال تنفيذه جاريًا على قدم وساق ’هناك‘ منذ العام 1967 - الأيديولوجيا نفسها، السياسة ذاتها

14 حسبما قاله منتدى كوهيليت للسياسات، وهو أكثر بيوت الخبرة المؤثرة في إسرائيل ويتولى توجيه «إجراءات الإصلاح» التي يجريها الائتلاف الحالي، مرارًا وتكرارًا في سياق دفاعه عن تقليص صلاحيات المحكمة وتحجيمها، إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي التي لا يختار فيها الساسة القضاة والتي يملك فيها قضاة المحكمة العليا الصلاحية التي تخولهم إلغاء القوانين التي يصدرها الساسة.

15 لا يبدو أن الاستثمارات التي يجري ضخها في الأنظمة الدكتاتورية، كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تتأثر بغياب الضوابط والتوازنات الديموقراطية غيابًا تامًا فيها. فما يُستبعد من النقاشات التي تتناول التقلبات الفريدة التي يشهدها الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى الرغم من قوته التي لا يختلف عليها اثنان - والذي يعد في الأساس عاملًا من عوامل التواطؤ الغربي والتزامه الأيديولوجي، وليس مجرد «الابتكار» - يتمثل في الأثر الذي تفرزه المقاومة الفلسطينية والتضامن الدولي (ولا سيما حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)) عليه. ففي نهاية المطاف، كانت الطفرة الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل نتيجة مباشرة لاتفاقيات أوسلو التي عقدتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وعشرات الأسواق التي فُتحت أمام المنتجات الإسرائيلية إنما فُتحت بفضل هذه الاتفاقيات. فخلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، واجهت إسرائيل أخطر أزمة شهدت هروب رؤوس الأموال والمواهب منها إلى أمريكا الشمالية وأوروبا. وعقب المجزرة التي اقترفتها إسرائيل في قطاع غزة خلال العام 2014 والقفزة النوعية التي سجلها نشاط حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) في أعقابها، تلقى الاقتصاد الإسرائيلي ضربة قاصمة وأقرت بيوت الخبرة المالية الرئيسية، من قبيل مؤسسة راند، ووكالات التصنيف الائتماني بالأثر الذي تفزره الحركة عليه.

16 في العام 2012، مثلًا، وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالسكن اللائق «إستراتيجية التهويد» التي تنفذها إسرائيل على أنها تستهدف بسط السيطرة على الأرض الفلسطينية، حيث قال: «في سياقات قانونية وجغرافية مختلفة تمام الاختلاف، من الجليل والنقب إلى القدس الشرقية والضفة الغربية، ترسخ السلطات الإسرائيلية نموذجًا إنمائيًا إقليميًا يقصي الأقليات ويمارس التمييز بحقها ويهجرها، ويؤثر بصفة خاصة على التجمعات السكانية الفلسطينية

17 تقول منظمة العفو الدولية، في تقريرها الأول في نوعه بشأن الفصل العنصري بوصفه أداة من أدوات الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي منذ العام 1948: «في مايو/أيار 1948، صدر إعلان قيام دولة إسرائيل، الذي نص على قيام دولة يهودية. وبالرغم من أن الإعلان كفل الحق في ’المساواة التامة في الحقوق اجتماعيًا وسياسيًا بين جميع رعاياها‘، فإن هذا الحق لم يُكفل في قوانين الأساس، التي تعد وثيقة دستورية في غياب دستور مكتوب. وفي جميع قوانين الأساس، تنزل الأحكام القانونية التي تنظم المساواة إلى مرتبة دون مرتبة تلك الأحكام التي تمنح هذا الامتياز لليهود الإسرائيليين وتقرر أن دولة إسرائيل دولة يهوديةوقد دأبت المحكمة العليا على رفض الالتماسات التي ترفع إليها للاعتراف بالجنسية المدنية الإسرائيلية التي توفر ضمانات إعمال المساواة بين جميع المواطنين على اعتبار أن ذلك قد «يعرض للخطر المبدأ التأسيسي الذي تقوم إسرائيل عليه: أن تكون دولة يهودية للشعب اليهودي. وقد رفضت السماح بإجراء نقاش بشأن الحقوق المتساوية الكاملة ومشروع قانون الدولة لجميع مواطنيها‘ في الكنيست، كما رفضت المحكمة الطعون التي رفعت على الصلاحيات الهائلة التي يملكها الصندوق القومي اليهودي العنصري في إدارة سلطة إدارة إسرائيل، وهلم جرا

18 يشكل أطفال المتدينين المتزمتين (الحريديين) ربع الأطفال اليهود في المدارس الإسرائيلية وما نسبته 40 في المائة من تعداد طلبة الصف الأول اليهود فيها. ويدرس معظم التلاميذ من أبناء المتدينين المتزمتين - 74 في المائة - في مدارس غير رسمية تحظى بالاعتراف بها في الوقت نفسه، ويفرض عليها أن تعتمد الشطر الأكبر من المنهاج الأساسي العلماني (مع أن معظم هذه المدارس لا تعتمده) مقابل حصولها على ما نسبته 75 في المائة من التمويل. ويدرس 22.5 في المائة من التلاميذ الآخرين في مدارس «معفاة» تدرّس شطرًا أصغر من المنهاج الأساسي وتتلقى مبلغًا يتناسب مع التمويل الذي تقدمه الدولة، على حين يتعلم 3.5 من التلاميذ في المائة في مدارس حريدية تديرها الدولة إدارة كاملة وتدرّس المنهاج الأساسي بكامله. ولا يشارك سوى نصف الرجال المتدينين المتزمتين الإسرائيليين في سوق العمل. ولا تخفي المؤسسات العلمانية الإسرائيلية الصهيونية قلقها من أن الدافع الذي يحضّ المتدينين المتزمتين على تحصيل التعليم العلماني أو المشاركة في قوة العمل قد يتضاءل ويتراجع إلى حد بعيد، بالنظر إلى الوعد الذي قطعته الحكومة بزيادة التمويل المخصص لدراسة التوراة [الرابط غير موجود - المترجم]. ويساور القلق العميق هذه المؤسسة الأشكنازية العلمانية الإسرائيلية، التي يتملكها الهوس في المؤشرات السكانية، من أن التهديد الذي يعتري مستقبل إسرائيل بوصفها اقتصادًا قويًا بات يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ظل معدلات الخصوبة المرتفعة للغاية في أوساط هؤلاء المتدينين (حيث تبلغ ضعف ما هي عليه في المتوسط الإسرائيلي) وتطلعاتهم التي لا تفتر إلى الانفصال عن المجتمع الإسرائيلي، دون الاندماج فيه، وبالنظر إلى أن تعليمهم الديني يترك معظمهم غير مجهزين لكي يضطلعوا بدور عملي في الاقتصاد الإسرائيلي الحديث. والغالبية العظمى من خريجي المدارس الثانوية التابعة للطوائف المتدنية المتزمتة لا تستوفي الحد الأدنى من متطلبات الالتحاق بالجامعات. ويعلق البروفسور يديدا شتيرن، رئيس معهد سياسات الشعب اليهودي المؤثر، على ذلك بقوله: «عندما كان الحريديون يشكلون جماعة صغيرة، كان الأمر على ما يرام. أما الآن، فهذا مستحيل. إن السماح باستمرار ذلك على الرغم من الأعداد الكبيرة من للحريديين يعني أن البلاد لن تملك القدرة على تأدية عملها

19 بينما كان كره النساء والنظام الأبوي البنيوي والتمييز على أساس النوع الاجتماعي والعنف موجودًا على الدوام في المجتمع الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني الذي يتسم بنزعته العسكرية المفرطة، تحاول الحكومة الجديدة أن تفرض المزيد من القوانين الأرثوذكسية / الدينية في الحيز العام بطرق من شأنها أن تمعن في هضم حقوق المرأة. ولم تفرض إسرائيل، بوصفها «دولة يهودية» حسبما تسمي نفسها، فصلًا حقيقيًا قط بين «الكنيس» والدولة، وقد اضطلعت المؤسسية الدينية على الدوام بدور بالغ الأهمية في قمع حقوق المرأة.

20 انظر، مثلًا، الكتاب الذي نشره جهاز الشاباك الإسرائيلي ونورتون نازفينسكي «Jewish Fundamentalism in Israel» [«الأصولية اليهودية في إسرائيل»].

21 تقول الدعوة التاريخية التي أطلقتها حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) في العام 2005، والتي تعترف بهؤلاء الإسرائيليين المناهضين للاستعمار باعتبارهم شركاء محتملين في مسيرة النضال في سبيل التحرر وصادقت عليها الأحزاب السياسية الفلسطينية وقطاع عريض من الفلسطينيين في فلسطين التاريخية وفي الشتات، بصراحة: «ونتوجه إلى أصحاب الضمائر في المجتمع الإسرائيلي لدعم هذا النداء من أجل تحقيق العدالة والسلام الحقيقي

22 وفي الواقع، كان حزب العمل، الذي قاد احتلال الأرض الفلسطينية في العام 1967، هو من أطلق العمل على طمس معالم «الخط الأخضر» طمسًا تامًا من الخرائط، ثم على أرض الواقع، في قرار رسمي صدر عن حكومته في العام 1967. وعندما عاد حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو إلى سدة الحكم في العام 2009، لم يزد عن أن أبدى التزامه بسياسة تقوم على «إعادة مسح» ذلك الخط عن طريق توسيع المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية وإسباغ الصفة الشرعية عليها على الصعيد الداخلي في أوساط اليهود الإسرائيليين وعلى الساحة الدولية كذلك. كما عمل الفلسطينيون الأصلانيون، من جانبهم ومن خلال المقاومة التي يخوضونها على محو ذلك الخط، حيث اتحدت شريحتان أساسيتان من شرائح الشعب الفلسطيني (في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وفلسطين المحتلة في العام 1948) في مسيرة مشتركة للنضال في سبيل التحرر، بما تشمله من مظاهر وسياقات متنوعة.

23 يقول نحمان شاي، الوزير الأسبق من حزب العمل: «قد تكتشف إسرائيل أن العلاقات الثنائية يحكمها العرف في هذا العالم. فأولئك الذين يسعون إلى تأمين دعم يهود الشتات في الحرب على حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وفي الحرب على معاداة السامية أو - لا سمح الله - [على] تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل سوف يجدون أن [يهود الشتات] ليسوا هناك. ولا يجب عليهم ذلك. إنهم يفعلون ذلك الآن بدافع الحب، وبدافع التقدير، وبدافع إرادتهم الطيبة. أما عندما يرون أن دولة إسرائيل لا تحسب حسابًا لهم، فهم لن يحسبوا لها حسابًا بدورهموقد أطلقت الحركة الإصلاحية، التي يزيد عدد أتباعها عن المليونين في الولايات المتحدة، على مشروع القانون اسم «بلطجة» و«عار مطلق،» وقالت إن الحائط الغربي «لا يمكن إدارته كما لو كان كنيسًا حريديًاويشكل اليهود الإصلاحيون والمحافظون نحو 60 في المائة من اليهود الأمريكيين، على حين لا تزيد نسبة اليهود المتدينين المتزمتين عن 10 في المائة منهم.

24 عقّب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد، دون أن يحس بأي مفارقة، على مشروع القانون المرتقب بقوله: «في حال سُن هذا التشريع، فلن تعود إسرائيل بلدًا حرًا. سوف يتحول الحائط الغربي، عوضًا عن كونه رمزًا للوحدة، إلى رمز لاضطهاد المرأة وممارسة التمييز بحق الأشخاص العلمانيين وتقويض تحالفنا مع يهود العالم

25 تفسر جماعات الضغط الصهيونية المسيحية الأصولية التي تناصر إسرائيل في الولايات المتحدة هرمجدون على أنها تعني عودة المسيح لتخليص أولئك الذين يؤمنون به وحدهم ودون غيرهم من اللعنة الأبدية. أما هؤلاء الذين لا يؤمنون به ويرفضون اعتناق المسيحية فكلهم سوف «يُبادون ويدخلون جهنم،» فلا خلاص لهؤلاء. وطالما استقر المسيحون الصهاينة على أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين والتطهير العرقي الذي تعرض له الفلسطينيون في العام 1948 والنكبة المستمرة التي حلت بهم عوامل تحفز عودة المسيح.

وفي هذا المقام، يقول غريشوم غورنبيرغ، الكاتب الإسرائيلي الأمريكي صاحب كتاب «End of Days» [«نهاية الأيام»] وهو كتاب يحظى بالاستشهاد به على نطاق واسع بشأن الصهاينة المسيحيين: «يموت اليهود أو يتحولون عن دينهم ... أما [المسيحيون الصهاينة] فلا يكنّون الحب للشعب اليهودي الحقيقي. إنهم يحبوننا بصفتنا شخصيات في قصتهم، في مسرحيتهم. ... نحن لم نخض تجربة أداء في تلك الجزئية قط، وليست المسرحية بتلك التي تبلغ نهاية محمودة بالنسبة لنا. فإذا أنصتّ للمسرحية التي يحبكونها، فهي أساسًا مسرحية من خمسة مشاهد حيث يختفي اليهود في المشهد الرابع منها

26 منذ العام 2013، ما انفك كبار الزعماء الإسرائيليين يدقون ناقوس الخطر بشأن الآثار المتعاظمة التي تفرزها حركة مقاطعة إسرائيل (BSD)، بما يشمل تأثيرها على الاقتصاد. ففي العام 2013، مثلًا، حذرت وزيرة العدل في حينه تسيفي ليفني من أن المقاطعة المالية والاقتصادية على المستوى الدولي استُهلت بالمستوطنات المقامة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولكنها سوف تصل إلى بقية البلاد مع مرور الوقت. وقالت ليفني «إن المقاطعة تتحرك وتحرز التقدم في إطار موحد وبوتيرة مطردة. وأولئك الذين لا يريدون أن يبصروها سوف ينتهي المطاف بهم إلى الشعور بها

27 في يوم 14 شباط/فبراير 2023، نشرت حركة مقاطعة إسرائيل (BSD) مؤشرات تتناول عوامل انعدام الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل وهروب رؤوس الأموال منها، حيث سخرت فيها من الوصف الذي تسبغه إسرائيل على نفسها باعتبارها «أمة الشركات الناشئة» وصكت الشعار / الوسم (#ShutDownNation) [«أمة الشركات المغلقة»]. ومنذ ذلك الحين، استحوذ المحتجون الإسرائيليون الذين خرجوا إلى الشوارع في تل أبيب في يوم 25 كانون الثاني/يناير على هذا الشعار ووضعوه على لافتة كبيرة، وحذا حذوهم في ذلك كاتب رأي في صحيفة «فايننشال تايمز،» حيث اعتمد ذلك الشعار عنوانًا للمقال الذي نشره في عموده في يوم 2 آذار/مارس.

28 تفوق التقارير السنوية التي تصدرها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بشأن الاقتصاد الإسرائيلي غيرها في حجيتها وموثوقيتها وترجع إليها المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف الائتماني. كما تفرز هذه التقارير أثرًا بعيد المدى على المستثمرين الأجانب الذين يدرسون الفرص التجارية المتاحة في إسرائيل.

29 ينبغي فهم الاحتجاجات التي يخوضها قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل في وجه الحكومة اليمينية المتطرفة الراهنة في سياق حاجة هذا القطاع التي لا يستغني عنها إلى قناع «الديموقراطية الليبرالية» التي تعمل هذه الحكومة على وأدها وتأتي عليها من قواعدها. فحسبما يقوله شير هيفر، خبير الصناعات العسكرية في إسرائيل، «لا يتوقع الموظفون العاملون في قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل من الحكومة أن تضع حدًا للفصل العنصري وغيره من الانتهاكات التي توقعها في كل يوم على القانون الدولي. إنهم يتوقعون من الحكومة أن تُبقي على القناع، وأن تتظاهر بأنها نظام ديموقراطي ليبرالي وأن تتاح لها الفرص لالتقاط الصور مع قادة العالم الغربي. وهذا ما ترفض الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة أن تفعلهوقد ازدهر قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل بفضل العلاقات التي جمعته مع المؤسسات العسكرية الأمنية الإسرائيلية وبالتوازي مع الهجمات الدموية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين الذي يرزحون تحت نير احتلالها، ولا سيما في قطاع غزة. فالأرض الفلسطينية المحتلة «حقل» يجري فيه «الاختبار الميداني» للتكنولوجيا العسكرية و«الأمنية» الإسرائيلية قبل أن تصدر إلى العالم.

30 من الشواهد على الأثر التي يخلّفه هذا الحال على معنويات جنود قوات الاحتياط والدافعية لديهم، قال د. يوفال هورفيتش، وهو مقدم في قوات الاحتياط (وأمضى 20 عامًا في الخدمة العسكرية) ومدير عيادة أمراض الكلى في مستشفى إيخلوف بتل أبيب: «نحن الأشخاص الذين نعارض الاحتلال خدمنا على مدى عقود في عهد الحكومات اليمينية. وبناءً على طلبها، فعلنا أشياء تنتفي الصفة القانونية عنها بصراحة. استخدمنا سيارات الإسعاف للقيام بأعمال الدورية والإبقاء على الحواجز. أزلنا شارة الإسعاف بحيث لم يكن في الإمكان التعرف عليها، ولكننا كنا نعلم تمام العلم ما كنا نفعله. لم نعترض، ولم نرفض طاعة الأوامر، لأننا كنا نعي أن هذه البلاد كانت بلادًا ديموقراطية. وإذا صدر قرار بإرسال المستوطنين إلى منطقة بعينها، كان الواجب الملقى على عاتقنا يتمثل في ضمان أمنهم. ولكن ما عاد هذا الحال كما كان عليه. في نهاية المطاف، سوف تندلع حرب لأن هذه هي الطريقة التي تسير الأمور عليها في دولة إسرائيل. وفي الحرب المقبلة، سوف تساورني شكوك عديدة إزاء الدوافع التي تقف وراءها.» [التوكيد مضاف]

وقال قائد كتيبة خدم في الجيش مدة 10 أعوام: «هذه هي حربنا الآن. هذه أصعب حرب تنطلق شرارتها هنا على الإطلاق، على أي حال، لأن العدو عدو من الداخل. أعقد حرب منذ قيام الدولة

ونشر د. ييشاي زيكيلي، وهو طبيب القلب في مستشفى إيخلوف ومقدم يخدم في قوات الاحتياط، تغريدة قال فيها: «لن أؤدي الخدمة في قوات الاحتياط في بلد تحكمه سلطة وحيدة ومنفردة. لن أعود إلى الخدمة في نظام دكتاتوريوقال: «السؤال’لماذا تتذكر الآن فقط، بعد 20 عامًا من الخدمة في جيش الاحتلال؟‘ سؤال مشروع وصعب. والإجابة أنه حتى هذا اليوم على الأقل، تستطيع أن تقول لنفسك إن كل تلك القرارات، حتى عندما كان الجدل يثور حولها وشملت مزيجًا من قتال العدو داخل مناطق مدنية، بكل ما ينطوي عليه ذلك، إنما اتخذت ضمن إطار قواعد لعبة بلد ديموقراطي. ربما لم تكن تملك القدرة على الموافقة عليها، أو كنت تعتقد أنها لم تفتقر إلى صفة أخلاقية، ولكنها كانت تنفَّذ في سياق صراع طال أمده لسنوات بين جانبين، كان أحدهما يتصرف كان لو كان نظامًا ديموقراطيًا. كان ذلك هو العقد. وفي اللحظة التي يقدم فيها أحد طرفي العقد على الإخلال به بهذه الطريقة الفجة، فسوف يلغى ذلك العقد تلقائيًا. من غير المعقول أن تحافظ عليه، مما يتنافى مع الأخلاق أن تحافظ عليه

31 لا يقض مضاجع هؤلاء المتخصصين في برمجيات التجسس، والذي تحكمهم عقلية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في العادة، إزاء الوقائع التي تشهد على أن جوهر تكنولوجيا الحرب السيبرانية نفسها تشكل تهديدًا للعالم، حيث جرى اختبارها على السكان الفلسطينيين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال وتصدر إلى الأنظمة الدكتاتورية وأشد الأنظمة قمعًا على امتداد العالم من أجل تيسير المزيد من القمع والقتل والنهب والسلب والمعاناة.

32 لم يزد ما يسمى «اليسار» في إسرائيل عن اختفى من المشهد السياسي، حيث ما عادت المعارضة الرئيسية تحمل راية «اليسار» حتى في خطابها، بالنظر إلى مدى انزياح الأغلبية الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية إلى اليمين المتطرف خلال العقود المنصرمة.

June 13, 2023
/

انشر/ي

ابقوا على اطلاع

قم بالتسجيل للحصول على آخر أخبار المقاطعة والحملات والتحركات

Subscribe Now